المسألة الخامسة الذين منعوا من تأخير بيان المراد من الخطاب عن وقت الخطاب اختلفوا في جواز تأخير تبليغ ما أوحي به إلى النبي (ص)، من الاحكام والعبادات إلى وقت الحاجة إليه وأكثر المحققين على جوازه، وهو الحق لأنه لو امتنع، لم يخل.
إما أن يمتنع لذاته، أو لمعنى من خارج: الأول محال، فإنه لا يلزمه من فرض وقوعه لذاته محال، وإن كان ذلك لأمر من خارج، فالأصل عدمه كيف وإن تأخيره يحتمل أن يكون فيه مصلحة في علم الله تقتضي التأخير.
ولهذا لو صرح الشارع بذلك، لما كان ممتنعا ويحتمل أن يكون فيه مفسدة مانعة من التأخير، وليس أحد الامرين أولى من الآخر.
فإن قيل: الامتناع من التأخير إنما هو لمعنى خارج عن ذاته، وهو قوله تعالى:
* (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) * (5) المائدة: 67) وظاهر الامر للوجوب.
قولكم: يحتمل وجود مفسدة في التقديم، ومصلحة في التأخير، وليس أحد الامرين أولى من الآخر.
قلنا: فهذا كما لا يمكن معه الجزم بامتناع التأخير، فلا يمكن معه الجزم بجواز التأخير الذي هو مذهبكم.
وجواب الأول: أنا، وإن سلمنا أن قوله تعالى * (بلغ) * أمر، ولكن لا نسلم أنه للوجوب (1) وإن سلمنا أنه للوجوب، ولكن لا نسلم أن مطلق الامر يقتضي الفور، على ما تقدم تقريره. وإن سلمنا أنه على الفور، غير أنا لا نسلم أنه يتناول تبليغ الاحكام التي وقع الخلاف فيها، وإنما هو دال على تبليغ ما أنزل من لفظ القرآن، إذ هو المفهوم من لفظ المنزل.
وجواب الثاني: أنه إذا وقع التردد بين المصلحة والمفسدة، تساقطا، وبقينا على أصل الجواز العقلي.