فإن قيل: اعتقاد الظهور في التكرار أولى، لان ما حمل من الأوامر على التكرار أكثر من المحمول على المرة الواحدة، وعند ذلك فلو جعلناه ظاهرا في المرة الواحدة لكان المحذور اللازم من مخالفته في الحمل على التكرار أقل من المحذور اللازم من جعله ظاهرا في التكرار عند حمله على المرة الواحدة.
قلنا: هذا إنما يلزم أن لو قلنا إن الامر ظاهر في أحد الامرين، وليس كذلك، بل الامر عندنا إنما يقتضي إيقاع مصدر الفعل والمرة الواحدة من ضروراته، لأن الامر ظاهر فيها، وكذلك في التكرار، فحمل الامر على أحدهما بالقرينة لا يوجب مخالفة الظاهر في الآخر، لعدم تحققه فيه.
وعن الثانية: وإن سلمنا أن العموم في قوله تعالى: * (اقتلوا المشركين) * (9 التوبة: 5) أنه يتناول كل مشرك فليس ذلك إلا لعموم اللفظ، ولا يلزم مثله فيما نحن فيه لعدم العموم في قوله صم بالنسبة إلى جميع الأزمان، بل لو قال صم في جميع الأزمان كان نظيرا لقوله اقتلوا المشركين.
وعن الثالثة: لا نسلم أن النهي المطلق للدوام، وإنما يقتضيه عند التصريح بالدوام أو ظهور قرينة تدل عليه، كما في الامر، وإن سلمنا اقتضاءه للدوام، لكن ما ذكروه من إلحاق الامر بالنهي بواسطة الاشتراك بينهما في الاقتضاء فرع صحة القياس في اللغات، وقد أبطلناه. وإن سلمنا صحة ذلك، غير أنا نفرق، وبيانه من وجهين: الأول أن من أمر غيره أن يضرب فقد أمره بإيقاع مصدره وهو الضرب، فإذا ضرب مرة واحدة يصح أن يقال: لم يعدم الضرب.
الثاني إن حمل الامر على التكرار مما يفضي إلى تعطيل الحوائج المهمة، وامتناع الاتيان بالمأمورات التي لا يمكن اجتماعها بخلاف الانتهاء عن المنهي مطلقا.