فعله، والعقاب بتقدير تركه، ولما فيه من مخالفة النفي الأصلي بما اختص به الوجوب من زيادة الذم والوصف بالعصيان، بخلاف المندوب كيف وإن المكلف إذا نظر وظهر له أن الامر للندب فقد أمن من الضرر، وحصل مقصود الامر.
قولهم إن المندوب داخل في الواجب ليس كذلك على ما سبق تقريره.
قولهم إن الامر موضوع لمعنى، فكان مانعا من نقيضه، دعوى محل النزاع، والقياس على الخبر من باب القياس في اللغات، وهو باطل بما سبق. ثم إنه منقوض بالامر بالمندوب، فإنه مأمور به على ما سبق.
فإن قيل: لا يلزم من مخالفة الدليل في المندوب المخالفة مطلقا.
قلنا: يجب أن نعتقد أن ما ذكروه ليس بدليل حتى لا يلزم منه المخالفة في المندوب.
وما ذكروه من الشبهة الأخيرة فهي منتقضة بالمندوب وأما شبه القائلين بالندب، فمنها نقلية وعقلية.
أما النقلية فقوله، صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذ نهيتكم عن شئ فانتهوا فوض الامر إلى استطاعتنا ومشيئتنا، وهو دليل الندبية.
وأما العقلية فهو أن المندوب ما فعله خير من تركه، وهو داخل في الواجب، فكل واجب مندوب، وليس كل مندوب واجبا، لان الواجب ما يلام على تركه، والمندوب ليس كذلك، فوجب جعل الامر حقيقة فيه لكونه متيقنا.
وجوابهما من جهة الاجمال، فما سبق في جواب شبه القائلين بالوجوب.
ومن جهة التفصيل: عن الأولى أنه لا يلزم من قوله: ما استطعتم تفويض الامر إلى مشيئتنا، فإنه لم يقل فافعلوا ما شئتم بل قال: ما استطعتم وليس ذلك خاصية للندب، فإن كل واجب كذلك.
وعن الثانية ما سبق من امتناع وجود المندوب في الواجب، ثم لو كان تنزيل لفظ الامر على المتيقن لازما، لكان جعله حقيقة في رفع الحرج عن الفعل أولى، لكونه متيقنا، بخلاف المندوب، فإنه متميز بكون الفعل مترجحا على الترك، وهو غير متيقن.