ويخص قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) * (33 الأحزاب: 36) الآية، بأن المراد من قوله أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، أي في اعتقاد وجوب المأمور به أو ندبه، وفعله على ما هو عليه، إن كان واجبا فواجب، وإن كان ندبا فندب.
ويخص قوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك) * (4 النساء: 65) الآية بأنه لا حجة فيها.
وقوله: * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * (4 النساء: 65) أي حكمت به من الوجوب والندب والإباحة والتحريم ونحوه، وليس فيه ما يدل على أن كل ما يقضي به يكون واجبا.
وأما حديث بريرة فلا حجة فيه، فإنها إنما سألت عن الامر، طلبا للثواب بطاعته، والثواب والطاعة قد يكون بفعل المندوب، وليس في ذلك ما يدل على أنها فهمت من الامر الوجوب، فحيث لم يكن أمرا لمصلحة أخروية لا بجهة الوجوب، ولا بجهة الندب، قالت: لا حاجة لي فيه.
فإن قيل: فإجابة شفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم مندوب إليها، فإذا لم يكن مأمورا بها، تعين أن يكون الامر للوجوب.
قلنا: إذا سلم أن الشفاعة في صورة بريرة غير مأمور بإجابتها، فلا نسلم أنها كانت في تلك الصورة مندوبة، ضرورة أن المندوب عندنا لا بد وأن يكون مأمورا به.
وأما السواك ففيه ما يدل على أنه أراد بالامر أمر الوجوب، بدليل أنه قرن به المشقة، والمشقة لا تكون إلا في فعل الواجب، لكونه متحتما، بخلاف المندوب، لكونه في محل الخيرة بين الفعل والترك، ولا يمتنع صرف الامر إلى الوجوب بقرينة، ودخول حرف (لولا) على مطلق الامر لا يمنع من هذا التأويل.