وأما خبر أبي سعيد الخدري فلا حجة فيه أيضا، فإن قوله تعالى: * (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * (8 الأنفال: 24) إنما كان محمولا على وجوب إجابة النداء، تعظيما لله تعالى، ولرسوله في إجابة دعائه، ونفيا للإهانة عنه، والتحقير له، بالاعراض عن إجابة دعائه، لما فيه من هضمه في النفوس، وإفضاء ذلك إلى الاخلال بمقصود البعثة، ولا يمتنع صرف الامر إلى الوجوب بقرينة.
وأما خبر الحج، فلا دلالة فيه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولو قلت نعم لوجب ليس أمرا ليكون للوجوب، بل لأنه يكون بيانا لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (3 آل عمران: 97) فإنه مقتض للوجوب، غير أنه متردد بين التكرار والمرة الواحدة، فقوله: لو قلت نعم لوجب أي تكرره لأنه يكون بيانا لما أوجبه الله تعالى، لا أنه يكون موجبا.
وأما ما ذكروه من الاجماع، فإن أريد به أن الأمة كانت ترجع في الوجوب إلى مطلق الأوامر فهو غير مسلم، وليس هو أولى من قول القائل: إنهم كانوا يرجعون في الندب إلى مطلق الأوامر، مع أن أكثر الأوامر للمندوبات، وإن أريد به أنهم كانوا يرجعون في الوجوب إلى الأوامر المقترنة بالقرائن، فلا حجة فيه.
وأما قصة أبي بكر، فلا حجة في احتجاجه بقوله تعالى: * (أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة) * (2 البقرة: 43) على أن الامر بمطلقه للوجوب، وذلك لأنهم لم يكونوا منكرين لأصل الوجوب، حتى يستدل على الوجوب بالآية، بل إنما أنكروا التكرار، والاستدلال على تكرار ما وجب، لا يكون استدلالا على نفس اقتضاء الامر بمطلقه للوجوب.
وأما قولهم: إن أهل اللغة يصفون من خالف الامر المطلق بالعصيان، ويحكمون عليه باستحقاق الذم والتوبيخ، ليس كذلك فإنه ليس القول بملازمة هذه الأمور للامر المطلق، وملازمة انتفائها للامر المقيد بالقرينة في المندوبات، أولى من العكس.