قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) (1) فإنه كالصريح في انقسام المسلمين على أنفسهم طائفة مع النبي صلى الله عليه وآله في التوقف عن خبر الفاسق قد حبب إليهم الايمان وكره إليهم الفسوق والعصيان، وطائفة أرادوا العمل به وحملوا النبي صلى الله عليه وآله على ذلك وأصروا عليه، ولكنه صلى الله عليه وآله أبى عليهم، فنزلت الآية تأييدا له وقمعا للفتنة، كما نبه لذلك شيخنا الأستاذ (دامت بركاته) وسبقه إليه بعض المفسرين كالزمخشري في الكشاف وغيره على ما حكي.
فالآية الشريفة وردت للعتب على هؤلاء الجهال أرادوا الخروج عن الطريق العقلائي في الاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه واستنكار موقفهم وتبكيتهم، فليست هي رادعة عن سيرة العقلاء في العمل بالخبر، بل داعية لمقتضى سيرتهم في التوقف عن خبر غير المأمون واستنكار الخروج عنها بمحاولة العمل به، كما أشرنا إليه آنفا عند الكلام في وجوه الاستدلال بالآية الشريفة على حجية الخبر.
كما وردت أكثر آيات سورة الحجرات لتأديب المسلمين وتهذيبهم مما يشينهم من أخلاق وأفعال، كرفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله، وعدم توقيره، وسخرية بعضهم من بعض، واغتيابهم لهم و غير ذلك مما لا يقره العقلاء، ولا يناسب الحكمة والتعقل.
وبالجملة: التأمل في لسان الآية الكريمة وسياقها وبقية آيات السورة شاهد بما ذكرنا وإن أغفله كثير من المفسرين.
وبه يتم ما ذكرنا من قصور التعليل عن شمول مورد المفهوم، فلا ينهض برفع اليد عنه لو تم في نفسه، ولا موقع للاشكال المذكور من أصله.
ثم إنه بما ذكرنا يتضح انه لا مجال للاستدلال بالآية عدم حجية خبر الفاسق مطلقا وإن كان ثقة في نفسه مأمونا عليه الكذب، للزوم الخروج عن