وأنت خبير: بأن قوله " فعلا أو قوة قريبة " إما أن يكون قيدا للاقتدار، أو للاستنباط.
فعلى الأول يكون المقصود تعميم الاقتدار للصورتين، وحينئذ فشموله لما إذا كان الاستنباط حاصلا بالفعل لا يخلو عن خفاء، إذ لا قدرة بعد حصول الفعلية.
وقد يدرج إذن في القوة القريبة إذ تلك الحالة الحاصلة من شأنها أن يقتدر بها على تحصيل الحكم من غير فرق بين حصول الفعلية وعدمه. غاية الأمر أن لا يصدق الاقتدار فعلا بعد حصول الفعلية فتلك الشأنية حاصلة.
وعلى الثاني يكون المقصود به بيان أنه ليس المراد بالملكة في المقام مجرد القوة القريبة المقابلة للفعلية، بل المراد بها الحالة التي يتسلط بها على استنباط المسائل، سواء كان الاستنباط حاصلا بالفعل أو لا.
ثم إن ظاهر الحد المذكور يعم ما لو كان استنباطه الحكم على سبيل العلم أو الظن، وهو ينافي ما نص عليه من خروج القطعيات عن الفقه، معللا بأنه لا اجتهاد فيها.
ويدفعه: أن اخراج القطعيات إنما يتصور بالنسبة إلى إطلاقه الأول، وأما بالنظر إلى الإطلاق المذكور فلا، إذ الملكة التي يقتدر بها على كل من الأمرين شئ واحد، فلذا لم يؤخذ فيه خصوص الظن. ويشكل بأن اتحاد المبدأ للأمرين لا يقضي بجواز الإطلاق في الحد نظرا إلى اختلاف الحيثية. والاجتهاد بناء على ما ذكر إنما هو ملكة الاستنباط الظني دون العلمي.
وكان الأظهر: أن الاجتهاد بالنسبة إلى المعنى المذكور لم يؤخذ فيه الظن، إذ المقصود به مطلق الاقتدار على استنباط المسائل في مقابلة المقلد الغير القادر عليه، سواء كان استنباطه ذلك بطريق القطع أو الظن، بخلاف إطلاقه على المعنى الأول، فإنه كما لا يقع من المقلد كذا لا يحصل من المجتهد أيضا بالنسبة إلى المسائل المقطوع بها، ولذا يقابل المسائل الاجتهادية بالمسائل القطعية.
والاجتهاد بهذا المعنى يساوق الفقاهة وإن اختلفا في الاعتبار.