وقد يقال: إنه مع افتقاره إلى تحصيل تلك المقدمات لا يعد الاستفراغ الحاصل منه قبل تحصيلها استفراغا للوسع. وفيه: - مع ظهور كونه في محل المنع - أن التقييد بالفقيه حينئذ يكون لغوا، وكأنه لذا أو لانصراف الإطلاق إلى خصوص الاستفراغ الحاصل منه ولو بملاحظة المقام ترك التقييد به في كلام جماعة من الأعلام، منهم: المحقق في المعارج، والعلامة في النهاية والمبادئ، والآمدي في الإحكام.
وقد يقال: إن الاجتهاد يعم الصحيح - الذي يترتب عليه الآثار - والفاسد، فينبغي أن يكون التحديد للأعم لا خصوص الصحيح منه، فيندرج فيه الاستفراغ الحاصل من الفقيه وغيره.
غاية الأمر أن لا يعتد به إذا كان من غير الفقيه، وذلك لا يقضي بخروجه عن الاجتهاد. فعلى هذا لا يتجه التقييد بكونه من الفقيه، كذا ذكره بعض الأفاضل ولذا عرف الاجتهاد: بأنه استنباط الحكم من الأدلة. ولذا تراهم - بعد ذكر تعريف الاجتهاد - يجعلون المعرفة بما يتوقف عليه ومنه القوة القدسية من شرائطه، لا من مقوماته.
وأنت خبير بما فيه، لظهور أنه لا يعد كل استنباط من الأدلة اجتهادا في الاصطلاح ولو صدر من العوام، بل من غير القادر على الاستنباط المعتبر، بل من القادر عليه إذا لم يأت به على وجهه. فظاهر الاصطلاح اختصاصه بالواقع عن المجتهد القادر على الاستنباط إذا أتى به على الوجه المعتبر، وكان عدم التقييد به في كلام الجماعة مبني على أحد الوجهين المتقدمين، ولذا وقع التقييد به في كلام آخرين - كالعلامة في التهذيب والسيد العميدي في منية اللبيب والعضدي - ولم يبنوا ذلك على اختلافهم في المقام. وعدهم المعرفة بطرق الاستدلال، والقوة القدسية الباعثة على الاقتدار من رد الفروع إلى الأصول من شرائطه لا ينافي ذلك، لوضوح أنه بعد تقييده بالحاصل من القادر على الاستنباط يكون القدرة المذكورة شرطا في تحقق الاجتهاد لا جزء مقوما له، فيوافق ذلك عدهم ما ذكر