المذكور كون التعلق من لوزام نفس الطلب فلا مدخلية فيه للفعل المطلوب. فكيف كان، فهو في البطلان أوضح من أن يحتاج إلى البيان، لنقضه أولا بغير الطلب الشرعي كطلب السيد من العبد، مع أنه من الواضح توقف طلبهم على الدواعي الباعثة والأغراض المتجددة، واختلاف الحال فيه بحسب اختلاف تلك الأحوال.
وحله ثانيا بأن مفهوم الطلب لا يفتقر إلى التعلق إلى شئ مخصوص.
نعم حصوله في الخارج متوقف عليه، وهو لا ينافي توقفه على الجهات والاعتبارات لتأخر حصوله إذن عن تلك الجهات والاعتبارات فيتعلق بالمطلق الجامع لها دون غيره، وهو ظاهر.
ومنها: أنه كما يستند كل من الحسن والقبح إلى الجهات الخارجية كذا قد يستند إلى نفس الذات مع قطع النظر عن سائر الوجوه والاعتبارات كأكل الميتة وشرب الخمر ونحوهما. ولا يخفى وهنه، إذ لو سلم ذلك فإنما يكون نفس الذات أو لوازمها مقتضية للحسن أو القبح، ويكون ثبوت كل من تينك الصفتين بمقتضى ذلك الاقتضاء متوقفا على انتفاء الموانع الخارجية كما هو ظاهر من حسن الأمور المذكورة حال وهو أيضا من الوجوه والاعتبارات الملحوظة في ثبوت ذلك الحكم، إذ رفع المانع من أجزاء العلة التامة فلا يكون شئ منهما ذاتيا بالمعنى الذي وقع الكلام فيه، وإنما يكون ذاتيا بالمعنى الأخير من المعنيين المتقدمين.
وقد أشرنا إلى أنها عبارة أخرى عن القول بإناطتهما بالاعتبار.
نعم إن ثبت عندنا في الأشياء ما يثبت الحسن والقبح لها على سائر الوجوه والأحوال تم ذلك، والظاهر أنهما لا يثبتان كذلك في شئ من الأشياء.
ألا ترى أن أقبح القبائح الكفر بالله سبحانه، وبالرسول، وشرب الخمر، ونحوها من الكبائر السبعة وغيرها، وكل منها يمكن وقوعه على الوجه المحلل فلا يترتب عليه الذم؟! إلا أن يقال: إن شكر المنعم الحقيقي مما يحكم العقل بحسنه ومدح فاعله، وكذا قبح كفران نعمه وذم فاعله. وقد يناقش في الأخير بأن ثبوت القبح بالنسبة إليه يتوقف على إدراك العقل فلا يثبت في حق الغافل، فحينئذ فيعتبر فيه إدراك ذلك وهو اعتبار ذاتي.