على القولين المذكورين، وإنما الخلاف في اعتبارها داخلة في طبيعة الفعل أو خارجة عنها.
قلت: فالظاهر أن النزاع المذكور لا تعود بذلك لفظيا، إلا أنه لا يخلو حينئذ عن ثمرة ظاهرة، إذ كل موضوع يدعى فيه اختلاف الحسن والقبح بالوجوه الخارجة يجوز للآخر أن يجعلها داخلة في ذات الفعل.
ثم لا يخفى أن ما ذكر من اختلاف طبيعة الفعل باختلاف كل من القيود مجازفة بينة، لوضوح أن أكل الميتة في حال السعة والشدة طبيعة واحدة، غير أن الوقوع في الشدة قاض بتحليله بخلاف ما إذا كان في حال السعة، وكذا الحال في سائر المعاصي حال الخوف على النفس أو العرض أو المال أو عدمه على اختلاف المقامات، فالقول المذكور إذا كان مبنيا على الالتزام المفروض كما هو قضية الجواب المذكور فهو بمكان من الوهن.
وقد يجاب عن الثاني أيضا: بأن القول باختلاف الطبيعتين مع اختلاف الجهات مما لا بعد فيه في جملة من المقامات كضرب اليتيم ظلما وضربه تأديبا، فإن مجرد اندراجهما في اسم الضرب لا يقضي باتحاد طبيعة الفعل، وكذا الحال في القتل ظلما أو قصاصا أو على سائر الوجوه المجوزة، وكذا أكل المال تعديا أو عن إذن المالك إلى غير ذلك، فإن من الظاهر أن القائل بكونهما ذاتيين قائل باختلاف الحكم في المقامات المذكورة، وليس ذلك إلا بجعلها طبائع مختلفة يكشف عنها الشريعة.
وأما في ما لا يمكن فيه ذلك فنلتزم هناك بحصول الوصفين ونقول باختلاف محلها كما في أكل الميتة عند الشدة، فإن أكل الميتة حينئذ قبيح أيضا، إلا أن حفظ النفس المتوقف عليه واجب أيضا، وتركه قبيح، والقبح هناك أعظم من قبح أكل الميتة، فيترجح عليه، وكذا غصب أموال الناس قبيح وحفظ دماء المسلمين واجب، فإذا توقف على غصب أموالهم حفظ الدماء مع بقاء القبح فلا بد حينئذ من مراعاة أقل القبيحين إن كان هناك ترجيح، وإلا فلا بد حينئذ عن غصب أموالهم