فظهر بما ذكرنا ضعف إيراد التناقض بالنسبة إلى الخبر اليومي وأنه إن تم ذلك فإنما يتم بالنسبة إلى الخبر الغدي حسب ما قرره الآمدي وغيره.
هذا وقد أورد على الوجهين الأولين باختلاف محل الحسن والقبح في ما ذكر.
أما الأول: فبأن الفعل المنسوخ قد اخذ فيه الزمان المعلوم، وقد اخذ الزمان المتأخر في الناسخ. ولا ضير في كون الزمان منوعا للفعل الذي هو عرض أيضا، فيكون كل من الحكمين متعلقا بطبيعة غير ما تعلق به الآخر، مثلا يقال: إن صلاة اليهود قبل النسخ كانت مندرجة في طبيعة الصلاة، بل كانت الصلاة منحصرة فيه، وبعد حصول النسخ خرجت عن تلك الطبيعة، والنسخ كاشف عن ذلك.
لا يقال: إن الحكم في الناسخ إن تعلق بالمنسوخ لزم المحذور، وإن تعلق بغيره - كما هو مبنى الجواب - لم يتحقق النسخ، لتعلق كل من الحكمين بغير ما تعلق به الآخر، ومع الاختلاف بين المتعلقين لا يعقل صدق النسخ.
إذ نقول: إنه يكفي في صدقه اتحاد أصل الفعل مع قطع النظر عن اختلاف الزمان بحيث يعد الفعل في الظاهر مع عدم ظهور النسخ فعلا واحدا، وإن صار النسخ كاشفا عن تعدد الفعلين.
وأما الثاني: فبأن كلا من القيود المذكورة التي يختلف الأفعال في الحسن والقبح من جهتها مأخوذ في طبيعة الفعل المتصف بالحسن أو القبح، فكل من متعلق الحسن والقبح في الفرض المذكور مغاير بالنوع لطبيعة الآخر، وإن اندرج الجميع في جنس واحد كالكذب في الفروض المذكورة، فالكذب المشتمل على المصلحة المهمة نوع من الفعل، والخالي عنه نوع آخر، وهكذا.
ويدفعهما: أنه لو بني على أخذ الاعتبارات والوجوه في طبيعة الفعل على القول المذكور كان النزاع بين القولين لفظيا، إذ القائل باعتبارية الوصفين يأخذ الفعل بمجرده طبيعة نوعية يختلف حسنها وقبحها باختلاف تلك الاعتبارات، والقائل بكونهما ذاتيين يأخذ جميع ذلك داخلا في ذات الفعل أو يجعلها قيدا فيه.
فاختلاف الحسن والقبح باختلاف تلك الجهات والاعتبارات مما لا خلاف فيه