ما ذكره -: أن قوله: (لأكذبن غدا) إما أن يطابق الواقع أو لا، فعلى الأول يكون حسنا من جهة كونه صدقا مطابقا للواقع، قبيحا من جهة استلزامه وقوع متعلقه الذي هو صدور الكذب، وعلى الثاني يكون قبيحا، لكونه كذبا حسنا، لاستلزامه انتفاء متعلقه الذي هو الكذب القبيح.
قلت: ما ذكره إنما يتجه لو لوحظ ذلك بالنسبة إلى خبر مخصوص.
وأما إذا لوحظ بالنسبة إلى مطلق الكذب في الغد تم لزوم اجتماع الصفتين فيه، إذ حينئذ نختار الأول كما هو ظاهر العبارة ونقول: إن ترك الكذب في الغد إنما يكون مع صدقه في جميع ما يخبر به في الغد، فهي حسنة من جهة كونها صدقا، قبيحة من جهة استلزامها الكذب في الخبر اليومي، أو يقال: إن ترك الكذب حسن في نفسه ضرورة حسن ترك القبيح، قبيح من جهة استلزامه الكذب في خبر الأمس، وكذا إتيانه بالكذب الحاصل بالكذب في خبر واحد، قبيح من جهة كونه كذبا، حسن من جهة أدائه إلى الصدق في الكلام اليومي، إذ المفضي إلى الحسن متصف بالحسن، وهذا ظاهر، بل يشكل الحال في التقرير الذي ذكره، فإنه ليس الخبر اليومي سببا لكذبه في الغد.
غاية الأمر أن يكون صدقه فيه متوقفا على الكذب في الغد، فإن كان الصدق المتوقف على الكذب حسنا أيضا كان الخبر اليومي حسنا من دون أن يكون مشتملا على القبيح، وإلا لم يتصف بالحسن. والقول بأن تسليم ارتفاع الحسن حينئذ يقتضي التخلف في الذاتي مدفوع، بأن ذلك إيراد آخر لا ربط له بما ذكر، كما لا يخفى.
وبالجملة: أن المتوقف على القبيح لا يلزم أن يكون قبيحا، غاية الأمر أن يقال بثبوت القبح في ما يفضي إلى القبيح ولا إفضاء إليه بالنسبة إلى الكذب في الخبر اليومي على الأول، ولا إلى عدم وقوع الكذب منه في الغد كما ادعاه في الثاني، وهو ظاهر، فدعوى حصول القبح في الأول والحسن في الثاني من الجهة المذكورة ممنوعة، بل فاسدة.