غاية الأمر أن يثبت هناك حسن بالعارض من جهة أدائه إلى صدق كلام الأمس، ولا منافاة بين القبح الذاتي والحسن التبعي، إذ ليس الاتصاف به حينئذ حقيقيا وإنما يتصف به من جهة اتصاف لازمه تبعا كما في ثبوت السكون بالذات للجالس في السفينة مع اتصافه بالحركة التبعية.
قلت: الحسن على ما عرفت ما كان للفاعل القادر عليه العالم بحاله أن يفعله، والقبيح ما لم يكن للفاعل كذلك أن يفعله.
ومن البين أن المقصود على تلك الصفة بحسب الواقع لا أن يثبت له تلك الصفة في مرتبة من المراتب واعتبار من الاعتبارات وإن لم يكن متصفا به بحسب الواقع مع ملاحظة سائر جهاته الحاصلة فيه.
فظهر بذلك امتناع اجتماع وصفي الحسن والقبح في الشئ الواحد أحدهما ذاتيا والآخر تبعيا إذا أفضى تبعية القبح إلى المنع من ذلك الفعل كيف؟ ولو جاز اجتماع الأمرين لزم دوران الأمر بين التعرض لأحد القبيحين (1) فإن بقي كل منهما على قبحه والمنع من الإتيان به لزم التكليف بالمحال، وإن جاز الإتيان له بأحدهما لزم القول بارتفاع القبح عنه، وأما لو قيل بعدم إفضائه إلى المنع من ذلك الفعل وفسر القبح التبعي بمجرد قبح ما يتبع ذلك الفعل، فهو في الحقيقة إنكار لقبحه من تلك الجهة رأسا، إذ يكون القبح حينئذ وصفا لمتعلقه لا لنفسه، هذا.
وقد أورد على القول باعتبارية الجهات بوجوه:
منها: أنه لو حسن الفعل أو قبح لغير الطلب من الجهة والاعتبارات لم يكن تعلق الطلب بالفعل المطلوب لذاته، بل كان متوقفا على ما يعرض له من الجهات والاعتبارات، والتالي باطل فكذا المقدم، والملازمة ظاهرة.
وأما بطلان التالي فلأن الطلب أمر بشئ من ذاته التعلق بالغير، فكيف يعقل أن يكون تعلقه به للأمر الخارج عنه؟ وهذا الوجه لو تم لدل على عدم جواز الاستناد إلى الصفات اللازمة أيضا، بل ولا إلى نفس الذات، إذ قضية الاحتجاج