الواقعي وإن كان الحكم به جعليا. غاية الأمر أن يتعلق تكليف بالمكلف حال غفلته، وذلك أيضا مما لا فرق فيه بين الصورتين كما لا يخفى.
وقد يورد على الدليل المذكور بوجه آخر، وهو أن غاية ما ذكر حصول الإفحام لو توقف المكلفون على ملاحظة المعجزة معللين بما ذكر، لكنه لم يتفق ذلك لجريان العادة بإراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك للمكلفين، وعدم استنادهم إلى مثل ذلك.
وأنت خبير بأنه لا بد من قيام الحجة على المكلف، وعدم وقوع مثل ذلك على سبيل الاتفاق لا يقضى به، لجواز أن يقع من بعض المكلفين بعد التفطن للوجه المذكور، وعدم تفطن الخصم لأمر يوجب عذره وإفحام مدعيه مع وجوده بحسب الواقع لا يقضي بإتمام الحجة، وهو ظاهر.
الرابع: أنهما لو كانا شرعيين لم تجب المعرفة، لتوقف وجوبها إذن على معرفة وجود الموجب وتكليفه به، ومعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المبلغ وصدقه في التبليغ، وهو توقف للشئ على نفسه، وهو أفحش فسادا من الدور.
وأورد عليه بنحو ما مر في الحجة السابقة: من أن وجوب المعرفة إنما يتوقف على إيجاب من تعلق المعرفة به لا على معرفته، ليلزم المفسدة المذكورة.
وجوابه ما عرفت من الفرق بين وجوب المعرفة في الواقع ووجوبه علينا بحسب التكليف الظاهر، والمقصود بالوجوب في الحجة إنما هو الثاني، لإجماع الفريقين على وجوبها كذلك على المكلفين، بل هو من ضروريات الدين.
وقد عرفت أن وجوبها الواقعي مع حصول القدر المسقط للتكليف مما لا ثمرة له في المقام. وقد يقرر الاحتجاج المذكور بوجه آخر بأن يقال: لو كانا شرعيين لم يمكن العلم بوجوب المعرفة قبل حصولها، لتوقف العلم بوجوبها على حصول المعرفة بالمكلف، وهو كاف (1) في المقام، ضرورة العلم به وإلا لما حكموا بوجوب المعرفة حسب ما يطبق عليه الكل.