الجهة الأقوى فعند اجتماع الوجوب الغيري والاستحباب النفسي أو الغيري يكون حكم ذلك الشئ هو الوجوب غير أنه إذا لوحظ ذلك الشئ في نفسه أو بالنسبة إلى غاية أخرى راجحة كان راجحا رجحانا غير بالغ إلى درجة المنع من الترك.
فالحاصل بحسب الواقع جهتان مرجحتان للفعل إحداهما بالغة إلى درجة المنع من الترك والأخرى غير بالغة إليها.
ومن البين أنه لا تضاد بينهما فلا مانع من اجتماعهما في أمر واحد، فإن عدم إيصاله الجهة النادبة إلى حد الوجوب لا ينافي إيصاله الأخرى إلى ذلك وذلك كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة الواجبة وبالنظر إلى قراءة القرآن ونحوها، إذ من الواضح عدم سقوط رجحان الوضوء لأجل التلاوة بعد دخول وقت الصلاة، غاية الأمر حينئذ أن يكون الوضوء موصوفا بالوجوب لا غير وذلك لا يستلزم إتيان العامل به على ذلك الوجه، إذ لا مانع من إتيانه به لا من جهة وجوبه، بل بجهة أخرى راجحة غير بالغة إلى تلك الدرجة، فيختلف الحال بملاحظة ذلك بين الوجوب الذي يكون صفة للفعل وما يكون جهة لإيقاعه ويعبر عن الأول بالوجوب الواقع " صفة " وعن الثاني بالوجوب المجعول " غاية ".
فيمكن اجتماع الوجوبين، كما إذا أتى بالفعل المفروض لأجل كونه واجبا.
ويمكن افتراقهما، كما إذا أتى بالواجب لأجل رجحانه الغير البالغ إلى درجة الوجوب فيكون آتيا بالواجب لكن لا على جهة وجوبه بل على الجهة النادبة، ولا يمنع ذلك من أداء الواجب وإن كان عبادة، لما تقرر من عدم اعتبار ملاحظة الامتثال للأمر الخاص في أداء الواجب فإنه بعد العلم برجحان الفعل في الجملة والإتيان به من جهة رجحانه يصح الفعل ويتصف بالوجوب بحسب الواقع، فيكون المكلف آتيا بالواجب خارجا عن عهدة التكليف وإن لم يصدق امتثال ذلك الأمر إلا بعد ملاحظته في الجملة عند الإتيان بالفعل، فإذا أتى بالفعل على وجه القربة ولو كانت تلك الجهة نادبة إلى الفعل وكان ذلك الفعل عبادة واجبة عليه من جهة أخرى لا يعلمها أصلا أو غفل حال أداء الفعل عنها كان ذلك الفعل