وتعمق النظر في غمار مقاصده ومبانيه ولا تنظر إلى تفردي به كأكثر مقاصد الكتاب وإلا تلحظ إليه بعين الحقارة وإلى بعين العتاب ثم بعد ذلك فاما قبولا وإما اصلاحا واما عفوا والله الموفق للصواب تنبيهان الأول المعتبر في الاتصاف بالصدق والكذب هو ما يفهم من الكلام ظاهر إلا ما هو المراد منه فلو قال رأيت حمارا وأراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو يتصف بالكذب و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع وكذلك إذا رأى زيدا أو اعتقد أنه عمرو وقال رأيت رجلا فهو صادق لان المفهوم من اللفظ مطابق للواقع بل والاعتقاد أيضا وإن لم يكن معتقده في شخص الرجل موافقا للواقع فهو على مذهب الجاحظ أيضا صدق والمعتبر في مطابقة الواقع هو مطابقته واقعا ولكن يكفي في الكشف عن ذلك اعتقاد المطابقة وإن كان مخالفا لنفس الامر ونظيره ما أشرنا إليه في العدالة فإن اعتقاد كونه عدلا في نفس الامر يكفي في اتصافه بالعدالة نعم ذلك الاتصاف داير مدار عدم ظهور الفساد ثم يتبدل الثاني المشهور أن الصدق والكذب من خواص النسبة الخبرية دون التقييدية مثل يا زيد الفاضل وغلام زيد وقيل بعدم الفرق بينهما في ذلك لان النسبة التقييدية أيضا إما مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع فيا زيد الانسان صادق ويا زيد الفرس كاذب ويا زيد الفاضل محتمل والتحقيق على ما ذكره بعض المحققين أن النسبة الذهنية في المركبات الخبرية تشعر من حيث هي هي بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها ولذلك احتملت عند العقل مطابقتها أو لا مطابقتها وأما النسبة الذهنية في المركبات التقييدية فلا إشعار لها من حيث هي هي بوقوع نسبة أخرى تطابقها أو لا تطابقها بل انما أشعرت بذلك من حيث إن فيها إشارة إلى نسبة أخرى خبرية بيان ذلك أنك إذا قلت زيد فاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه يشعر بذاتها بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها وهي أن الفضل ثابت له في نفس الامر لكن تلك النسبة الذهنية لا تستلزم تلك النسبة الخارجية استلزاما عقليا فإن كانت النسبة الخارجية المشعر بها واقعة كانت الأولى صادقة وإلا فكاذبة وإذا لاحظ العقل تلك النسبة الذهنية من حيث هي هي جوز معها كلا الامرين على السواء وهو معنى الاحتمال وأما إذا قلت يا زيد الفاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه لا يشعر من حيث هي هي بأن الفضل ثابت له في الواقع بل من حيث أن فيها إشارة إلى معنى قولك زيد فاضل إذ المتبادر إلى الافهام أن لا يوصف شئ إلا بما هو ثابت له في الواقع فالنسبة الخبرية يشعر من حيث هي هي بما يوصف باعتباره بالمطابقة واللا مطابقة أي الصدق والكذب فهي من حيث هي هي محتملة لهما وأما التقييدية فإنها تشير إلى نسبة خبرية والانشائية تستلزم نسبا خبرية فهما بذلك الاعتبار يحتملان الصدق والكذب واما
(٤١٩)