النظري هو ما كان العلم به موقوفا على المقدمتين لا بالعلم بهما ويظهر مما ذكرنا الجواب عن الدليل الثالث فلا يفيد واحتج القائلون بكونه نظريا بأنه لو كان ضروريا لما احتاج إلى توسط المقدمتين والتالي باطل لأنه يتوقف على العلم بأن المخبر عنه محسوس وأن هذه الجماعة لا يتواطؤون على الكذب وأجيب بمنع التوقف على ذلك إذ العلم بالصدق ضروري حاصل بالعادة ووجود صورة الترتيب للمقدمتين لا يستلزم الاحتياج إليه على أن مثل ذلك موجود في كل ضروري فإن قولنا الكل أعظم من الجزء يمكن أن يقال لان الكل مشتمل على جزء آخر غيره وما هو كذلك فهو أعظم ومما ذكرنا من بيان التفصيل يعرف حقيقة الحال وإن الحق هو التفصيل وأما مذهب الغزالي فالذي نقل عنه في كتابه المستصفى أنه قال العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور به بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمضي أنه حاصل من غير واسطة كقولنا الموجود لا يكون معدوما فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع الثانية أنهم قد اتفقوا على الاخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين بلفظ منظوم ولا إلى الشعور بتوسطهما وإفضائهما إليه وقال التفتازاني أن حاصل كلامه أنه ليس أوليا ولا كسبيا بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها مثل قولنا العشرة نصف العشرين وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا تعرف أنه ليس من هذا القبيل وأن الحق ما ذكرنا من التفصيل والظاهر أن ما ذكره الغزالي نوع من النظري لا واسطة ولذلك نسب العلامة رحمه الله في القول بالنظرية إليه ولعل مراد الغزالي أنه من باب نظريات العوام فإنهم وإن استفادوها من المقدمتين لكنهم لم يتفطنوا بهما بكيفيتهما المترتبة في نفس الامر فكان الغزالي قسم النظري إلى قسمين بالنسبة إلى الناظرين وهو في الحقيقة تقسيم للناظرين لا للنظري فكأنه قال العالم والعامي كلاهما مساويان في النظر فيما نحن فيه دون سائر النظريات الثاني أنهم بعدما عرفوا المتواتر بما نقلنا عنهم قالوا ان هذا المعنى يتحقق بأمور فيشترط في تحقق هذا الخبر الذي يفيد العلم بنفسه أمور منها ما يتعلق بالمخبرين ومنها ما يتعلق بالسامع فأما الأول فهو كون المخبرين بالغين في الكثرة حدا يمتنع منه في العادة تواطئهم على الكذب وكون علمهم مستندا إلى الحس فإنه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعا واستواء الطرفين والواسطة بمعنى أن يبلغ كل واحد من الطبقات حد الكثرة المذكورة وذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة وإلا فلا واسطة ولا تعدد في الطبقات وربما زاد بعضهم اشتراط كون اخبارهم عن علم ولا دليل عليه بل يكفي حصول العلم من اجتماعهم وإن كان بعضهم ظانين مع كون الباقين عالمين وأقول الكثرة المذكورة التي
(٤٢٤)