تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلف كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره اختيارا وإن فات استطاعته لا يقال أن الخروج أخص من الغصب مطلقا وفهم العرف يقتضي الجمع بين العام والخاص إذا كانا مطلقين لأنا نقول ان الخروج ليس مورد الامر من حيث هو خروج بل لأنه تخلص عن الغصب كما أن الكون في الدار المغصوبة ليس حراما إلا من جهة أنه غصب والنسبة بين الخروج والغصب عموم من وجه والظاهر أن ذلك الامر إنما استفيد من جهة كونه من مقدمات ترك الغصب الواجب ومقدمة الترك أعم من الخروج وإن انحصر أفراده في الخروج بحسب العادة فإن الظاهر أن العام الذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد بحسب العادة بل في نفس الامر أيضا لا يخرج عن كونه عاما في باب التعارض فلو فرض ورود الامر بالخروج أيضا بالخصوص فالظاهر أنه من جهة أنه الفرد الغالب الوجود لامكان التخلص بوجه أخر إما بأن يحمله غيره على ظهره ويخرجه من دون اختياره أو غير ذلك فليضبط ذلك فإنه فائدة جليلة لم أقف على تصريح بها في كلامهم وأما القول الأول فاختاره ابن الحاجب وموافقوه مستدلين بأنه إذا تعين الخروج للامر دون النهي بدليل يسدل عليه فالقطع بنفي المعصية عنه إذا خرج بما هو شرطه من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي عنه وفيه ما عرفت أنه لا وجه لتخصيص النهي بذلك الامر فالنهي باق بحاله ويلزمه حصول المعصية أيضا وأما القول الثاني فاختاره فخر الدين الرازي وقال أن حكم المعصية عليه مستصحب مع إيجابه الخروج وفيه أنه لا معنى للمعصية إلا في ترك المأمور به أو فعل المنهي عنه فإذ لا نهى فلا معصية مع أن النهي أيضا مستصحب ولا وجه لتخصيصه كما مر ثم يمكن أن يقال على أصولنا أن النزاع بين هذا القول وبين ما اخترناه لفظي إذ مبنى ما اخترناه من اجتماع الأمر والنهي جعل التكليف من قبيل التكليف الابتلائي والتنبيه على استحقاق العقاب لا طلبا للترك في نفس الامر مع علم الآمر بأنه لا يمكن حصوله مع امتثال الامر ومراد المنكر هو طلب حصول الترك في الخارج وقد يوجه كلامه بوجه آخر بعيد قانون اختلف الأصوليون في دلالة النهي على الفساد في العبادات والمعاملات على أقوال وتحقيق المقام يستدعي رسم مقدمات الأولى المراد بالعبادات هنا ما احتاج صحتها إلى النية وبعبارة أخرى ما لم يعلم انحصار المصلحة فيها شئ سواء لم يعلم المصلحة فيها أصلا أو علمت في الجملة واحتياجها إلى النية وهو قصد الامتثال والتقرب من جهة ذلك فإن امتثال الامر لا يحصل إلا بقصد إطاعته في العرف والعادة والموافقة الاتفاقية لا تكفي نعم لو علم انحصار المصلحة في شئ خاص فبعد حصوله لا يبقى
(١٥٤)