فلو لم نمنع من مدخلية حال المخبرين والسامعين ونفس الخبر في حصول العلم فلا بد أن نعتبرها في حصول العلم بالكثرة فالأولى أن يقال أنه خبر جماعة يؤمن تواطئهم على الكذب عادة وإن كان للوازم الخبر مدخلية في إفادة ذلك الكثرة العلم ثم إن الحق إمكان تحقق الخبر المتواتر وحصول العلم به وقد خالف في ذلك السمنية والبراهمة وهما طائفتان من أهل الهند أوليهما عبدة الأوثان وقائلة بالتناسخ والثانية من الحكماء على زعمهم وكلاهما نافيتان للأديان والنبوات وبعضهم خص المنع بما لو كان الخبر عما مضى لا الموجود لنا الجزم بوجود البلدان النائية كالهند والصين والأمم الخالية كقوم فرعون وقوم موسى عليه السلام ضرورة من دون تشكيك كالجزم بالمشاهدات وللسمنية شبة واهية مثل أنهم قالوا أولا أنه كاجتماع الخلق الكثير على أكل طعام واحد وهو محال عادة وفيه مع أنه مدفوع بوقوعه كما ذكرنا قياس مع الفارق لوجود الداعي فيما نحن فيه دون ما ذكروه وثانيا أنه لو حصل العلم به لزم اجتماع النقيضين لو تواتر نقيضه أيضا وفيه أن هذا الفرض محال وثالثا لو حصل العلم به لحصل بما نقله اليهود والنصارى عن نبيهم بأنه لا نبي بعده فيبطل دين محمد صلى الله عليه وآله وفيه منع تحقق التواتر فيما ذكروه لاشتراط التساوي الوسائط في إفادة العلم بالكثرة وبخت نصر قد استأصل اليهود فلم يبق منهم عدد التواتر وكذلك النصارى في أول الامر لم يكونوا عدد التواتر مع أن عدم العلم بتساوي الطبقات يكفي في المنع ولا يهمنا إثبات العدم واعلم أن هيهنا دقيقة لا بد أن ينبه عليها وهو أنه قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بسبب التسامع والتضافر وعدم وجود المخالف بالتواتر فمثل علمنا بالهند والصين ورستم وحاتم ليس من جهة التواتر لأنا لم نسمع إلا من أهل عصرنا وهم لم يرووا لنا عن سلفهم ذلك فضلا عن عدد يحصل به التواتر وهكذا و ذلك وإن لم يستلزم عدم حصول التواتر في نفس الامر إلا أن علمنا لم يحصل من جهته بل الظاهر أنه من جهة أن أهل العصر قاطبة مجمعون على ذلك إما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني على عدم بطلان هذا النقل فكثرة تداول ما ذكر على الألسنة وعدم وجود مخالف في ذلك في العصر ولا نقل عمن سلف في غيره تفيد القطع بصحته وذلك نظير الاجماع على المسألة وليس ذلك من باب التواتر فالظاهر أن وجود البلاد النائية والأمم الخالية لنا من هذا الباب لا من باب التواتر بل الذي يحصل لنا من باب المتواتر في هذا العصر ليس من باب تلك الأمثلة والمثال المناسب لهذا العصر هو نقل زلزلة وقعت في بلد فتكاثر الواردون المشاهدون لذلك وتضافروا في الاخبار حتى حصل القطع فعلى هذا فاجتماع اليهود والنصارى على الخبر أو على ملتهم ليس من إحدى القبيلتين أما التواتر فلعدم العلم بتساوي الطبقات بل العلم بالعدم كما ذكرنا وأما الاجماع فلوجود المخالفة من المسلمين وغيرهم فلا نغفل فإن أكثر الأمثلة
(٤٢١)