المانع وقال بالوجوب مضافا إلى أن المقتضي وهو الأدلة على دلالتها على الوجوب موجود والمانع منه مفقود لان الإباحة لا تنافي الوجوب وفيه أنا نقول أن المراد من الامر هنا مجرد رفع الحظر لما ذكرنا فلا دلالة فيها على أزيد من ذلك وأما عدم منافاته لثبوت الوجوب فهم مسلم لكن الوجوب ليس من جهة هذا الامر فالمانع عن الدلالة من جهة هذا الامر موجود وأكثرهم قد قرروا هذا الدليل على نهج آخر أضعف وهو أن المقتضي موجود أعني صيغة الامر لما تقدم من الأدلة والمانع لا يصلح للمانعية وهو ما ذكره الخصم من أن الوجوب ضد للحظر ولا يجوز الانتقال منه إليه لان الإباحة أيضا ضد له أقول بل المانع هو قرينة المقام كما بينا ودلالة الأدلة على دلالة مطلق الصيغة على الوجوب لا تنافي عدم دلالتها عليه في خصوص موضع باعتبار القرينة كما في سائر المجازات وأما المثال المذكور والآيات المذكورة فالجواب عنها أن محل النزاع هو ما إذا حظر عن شئ تحريما أو تنزيها ثم أمر به من دون اكتنافه بشئ آخر يخرجه عن حقيقة الجنسية أو النوعية والمراد من قولنا أن ما ورد الامر به حينئذ ليس واجبا بل إنما هو أمر مرخص فيه أن الوجوب لا يراد من هذا الامر من حيث هو هذا الامر ولا نمنع من ثبوت الوجوب من موضع آخر فحينئذ نقول مثل قول المولى للعبد بعد نهيه عن الخروج عن المحبس اخرج إلى المكتب خارج عن موضع النزاع فإن الامر ليس بعين ما نهى عنه بل المحظور خروجه من المحبس من حيث هو خروج عن المحبس و المأمور به هو خروجه ذاهبا إلى المكتب ولا يضر هذا بدلالة الامر على الوجوب وأما قوله تعالى فاقتلوا المشركين فهو لرفع الحظر لا غير والوجوب إنما هو لثبوته قبل الحظر وعدم حصول النسخ فيرجع إلى الحكم السابق وهذا ليس من دلالة اقتلوا على الوجوب في شئ وكذلك ترخيص الحائض والنفساء ووجوب الحلق بعد النهي عنه أيضا ثابت بدليل خارجي لأنه أيضا من النسك ولعلك بالتأمل فيما ذكرنا تقدر على استخراج أدلة القائلين بالتابعية لما قبله والتوقف والجواب عنها وأما القائل بالندب فلعله نظر إلى أن الندب أقرب المجازات للوجوب فإذا انتفى الدلالة عليه ببعض ما ذكر فيحمل عليه وأنت بعد ملاحظة ما ذكرنا تقدر على إبطال ذلك أيضا وأما توهم اختصاص كونها حقيقة في الإباحة في عرف الشارع فهو ضعيف لعدم الفرق بينه وبين العرف العام قانون المشهور أن صيغة إفعل لا تدل إلا على طلب الماهية وقيل تدل على التكرار مدة العمر ان أمكن عقلا وشرعا ويكون تركه اثما وقيل على المرة ويظهر من بعضهم أن مراد القائلين بالمرة هو الدلالة على المهية المقيدة بالوحدة لا بشرط التكرار ولا عدمه فالزايد على المرة لا يكون امتثالا ولا مخالفة ومن بعضهم دلالتها على عدم التكرار فتكون الزيادة إثما والقائلون بالماهية أيضا بين مصرح بحصول
(٩٠)