أن هذا التشبيه لا يصح على ما بني عليه المقام إن كان موافقا لغرض الحاجبي كيف وليس موافقا لغرضه كما عرفت المقصد الثاني في الكتاب قانون الحق جواز العمل بمحكمات الكتاب نصا كان أو ظاهرا خلافا للاخباريين حيث قالوا بمنع الاستدلال بكله على ما نسب إليهم بعضهم وقال أن مذهبهم ان كل القرآن متشابه بالنسبة إلينا ولا يجوز أخذ حكم منه إلا من دلالة الاخبار على بيانه وهو الأظهر من مذهبهم أو بالظواهر فقط على ما يظهر من آخر وفصل بعض الأفاضل فقال إن أرادوا أنه لا يجوز العمل بالظواهر التي ادعيت إفادتها للظن المحتملة لمثل التخصيص والتقييد والنسخ وغيرها لصيرورة أكثرها متشابها بالنسبة إلينا فلا يفيد الظن وما أفاد الظن منه قد منعنا عن العمل به مع قبول أن في القرآن محكما بالنسبة إلينا أيضا فلا كلام معهم وإن أرادوا أنه لا محكم فيه أصلا فهو باطل أقول وهذا التفصيل غفلة عن محل النزاع فإن هذا التشابه على الوجه الذي ذكره لا اختصاص له بالكتاب بل هو يجري في الاخبار أيضا وقد مر بيانه في باب وجوب البحث عن المخصص في العام بل النزاع في المقام إنما هو بالنسبة إلى خصوص الكتاب وإنما نشأ هذا النزاع من جهة بعض الاخبار الذي دل على أن علم القرآن مختص بالمعصومين عليهم السلام وإنه لا يجوز تفسيره لغيهم وذلك لا يختص بوقت دون وقت وبزمان دون زمان وأما ما ذكره المفصل فهو إنما يصح في زمان عروض الاختلالات لا في أول زمان النزول فنقول الحق القول بجواز العمل فأما في الصدر الأول الذي خوطب به المشافهون فلان الضرورة قاضية بان الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وآله وأنزل إليه الكتاب بلسان قومه مشتملا على أوامر ونواهي ودلائل لمعرفته وقصصا عمن غبر ووعدا ووعيدا واخبارا بما سيجئ و ما كان ذلك إلا لان يفهم قومه ويعتبروا به وقد فهموا وقطعوا بمراده تعالى من دون بيانه صلى الله عليه وآله وما جعل القرآن من باب اللغز والمعمى بالنسبة إليهم مع أن اللغز والمعمى أيضا مما يظهر للذكي المتأمل من أهل اللسان والاصطلاح بل أصل الدين وإثباته إنما هو مبني على ذلك إذ النبوة إنما تثبت بالمعجزة ولا ريب أن من أظهر معجزات نبينا صلى الله عليه وآله وأجلها وأتقنها هو القرآن و الحق أن إعجاز القرآن هو من وجوه أجلها وأقواها بلاغته لا مجرد مخالفة أسلوبه لسائر الكلمات ولا يخفى أن البلاغة هو موافقة الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهو لا يعلم إلا بمعرفة المعاني والقول بأن العرب كانت تتوقف في فهم المعاني على بيان النبي صلى الله عليه وآله من دون أن يفهموه بأنفسهم ثم تعلم البلاغة شطط من الكلام مع أن الأخبار الدالة على جواز
(٣٩٣)