الراجح رجحانه إنما هو مع قطع النظر عن الوضع وأما معه فمساواته مع الحقيقة إلا إذا غلب في المجاز بحيث يصير وضعا جديدا فيصير حقيقة في المعنى الثاني وأنى له بإثباته فيما نحن فيه مع أنه لم يدعه أيضا والحاصل أن مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب الخروج عن الحقيقة وإن كان الاستعمال في غاية الكثرة بل وأكثر من استعماله في الحقيقة بكثير ألا ترى أن الألفاظ التي ادعوا صيرورتها حقايق شرعية في المعاني الشرعية استعمالها في المعاني الشرعية أكثر من اللغوية ومع ذلك يحملها المنكرون عند التجرد عن القرينة على المعاني اللغوية وهو رحمه الله منهم وكذلك العام مع أنه بلغ في التخصيص إلى أن قيل ما من عام إلا وقد خص وأيضا تلك الكثرة إنما حصلت بملاحظة مجموع روايات مجموع الرواة عن مجموع الأئمة عليهم الصلاة والسلام والذي يضر على سبيل التسليم هو الكثرة بالنسبة إلى كل واحد واحد فافهم قانون إذا وقع الامر عقيب الحظر أو في مقام ظنه أو وهمه فاختلف القائلون بدلالته على الوجوب في كونه حقيقة في الوجوب أو مجازا في الندب أو الإباحة أو التوقف أو تابعيتها لما قبل الحظر إذا علق الامر بزوال علة عروض النهي والأقوى كونه للإباحة بمعنى الرخصة في الفعل ويلزمه بينا رفع المنع السابق للتبادر بمعنى أرجحيته في النظر من الوجوب إذ ما نقدم من تقدم الحقيقة على المجاز اتفاقا إنما هو إذا دار الامر بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا خلا المقام عن قرينة مرجحة لأحدهما واما مع القرينة الموجبة للجزم بإرادة المجاز فيقدم المجاز اتفاقا وكذا مع إفادتها الظن به مع كون أصل الحقيقة في النظر أيضا فالمقصود أن ملاحظة المقام والالتفات إلى هذه القرينة أعني وقوع الصيغة عقيب الحظر يوجب تقديم إرادة المعنى المجازي وهو الإباحة على الحقيقي فيدور ترجيح المعنى الحقيقي أو المجازي مع القرينة على حصول الترجيح والظهور ولما كان قرينة الشهرة ليست من قبيل القرائن الاخر وكانت منضبطة أفردوا الكلام فيها في باب تعارض الأحوال وإلا فالدوران والتعارض حاصل في جميع القرائن لكنها غير منضبطة فالترجيح فيها يتفاوت بالنسبة إلى تفاوت الناظرين وبالنسبة إلى المقامات فاضبط ذلك ويدل على ذلك أيضا تتبع موارد الاستعمال فإنك لو تتبعتها وتأملتها بعين الانصاف تجد ما ذكرنا ولو بقي لك شك في موضع فألحقه بالغالب لان الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب وهذه قاعدة نفيسة مبرهن عليها بالعقل والعرف والشرع قد حرم عن فوايدها من لم يصل إلى حقيقتها وقد أشرنا إليه سابقا أن بعضهم لاحظ مثل قول المولى لعبده أخرج من المحبس إلى المكتب ومثل قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وأمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد رفع
(٨٩)