كلامه رحمه الله أقول الذي يظهر لي أن مناط الأقوال الثلاثة في جواز وصف الخبر بالصدق والكذب و الحكم عليه بأنه صدق أو كذب عند التحقيق هو اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه فإن النظام أيضا مراده من كون الصدق هو مطابقة الاعتقاد هو كون اعتقاده إن هذا الحكم ثابت في الواقع فالذي يصفه بالصدق هو ما يعتقد مطابقته للواقع وكذلك الجاحظ ولا يصف به إلا ما يعتقده كذلك وأما المشهور فلما لم يكن ظهور الواقع إلا بالاعتقاد أنه واقع فوصفهم بالصدق إنما يكون بعد اعتقادهم المطابقة فالاعتقاد مما لا بد من ملاحظته في وصف الخبر بالصدق والكذب فان قلت إن الصدق والكذب أمران نفس الأمريان والخبر انما يتصف بالصدق والكذب النفس الأمريين لا ما يعتقد صدقه أو كذبه فلو كان شئ مطابقا للواقع واعتقد أحد عدمه وحكم بكذبه ثم ظهر له فساد اعتقاده فيحكم بأنه كان صادقا فلو نذر أحد أن يعطي من أخبر بصدق شيئا فأعطاه بشخص لم يعتقد في حقه الصدق لكنه كان في نفس الامر صادقا فيبر نذره إذا ظهر له بعد ذلك أنه كان صادقا وبالعكس قلت اتصافه بما هو كذلك في نفس الامر إنما هو في نفس الامر لا عندنا والذي يثمر في الفروع ما هو ما عرفنا اتصافه به في نفس الامر و اعتقدناه وبر النذر في الصورة المفروضة وعدمه في عكسها ممنوع مع أنه يجري ذلك على المذهبين الأخيرين أيضا فإنه إذا تغير الاعتقاد فيحكم النظام أيضا بخلاف المعتقد في ذلك الخبر وكذلك الجاحظ فالخبر الموافق للاعتقاد عند النظام صدق ما دام كذلك وإذا تبدل فيتصف بالكذب بمعنى أن ذلك الخبر كذب رأسا لا أنه صار كذبا الآن ولا معنى لكون الخبر صدقا في وقت كذبا في آخر في نفس الامر بل إنما ذلك من جهة الاعتقاد ثم إعلم أن معنى قولنا كتب فلان أنه فعل ما هو كتابة في نفس الامر لا ما هو كتابة عنده فلا بد في الاسناد من ملاحظة المسند والمسند إليه ثم الاسناد فالكتابة أمر مستقل ملحوظ في ذاته قبل الاسناد غاية الامر أنه يتقيد بإدراك المدرك ضرورة يعني أن من يلاحظ نسبتها إلى فلان يعرفها ويعلم أنها كتابة ثم يسندها إلى فلان إذا عرفت هذا وتأملت فيما ذكرنا تعلم أنه لا محصل للتفريعات التي ذكرها رحمه الله لان قول المدعي كذب شهودي معناه كذب شهودي في الواقع لا في اعتقاد الشهود يعني قالوا قولا كاذبا في الواقع على أي قول كان من الأقوال الثلاثة وهو يستلزم بطلان حقه على الأقوال الثلاثة فإن كل واحد منها يعتبر فيه اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه كما بينا والحاصل أن معنى قول المدعي كذب شهودي هو أني اعتقد عدم مطابقته للواقع على ما بينا لك سابقا وهو إقرار ببطلان حقه فإن الاقرار أيضا تابع للاعتقاد الواقع فكلما دل عليه فهو يثبته وإن لم يقصد وليس معنى كذبوا أنهم أخبروا من غير علم واعتقاد فإن هذا معنى قولنا كذبوا في اعتقادهم بمعنى قالوا قولا مخالفا لمعتقدهم وإذا صرح بهذا المضمون فهو كما ذكره
(٤١٤)