الاخبار مسموعة ومنوطة بالحس وإن هؤلاء الجماعة الكثيرين لا يتواطؤون على الكذب ثم يحصل له القطع بمضمونها فهذا متواتر نظري ومن علامات النظري أن بعد حصول العلم أيضا إذا ذهل عن المقدمتين قد يتزلزل القطع ويحتاج إلى مراجعة المقدمات وهو مما يحصل في كثير من المتواترات بخلاف الضروري فالضروري وإن كان أيضا لا ينفك عن المقدمات لكنها لا تحتاج إلى المراجعة إليها والاعتماد عليها ما دام ضروريا فإن كان مراد المشهور هو ذلك فمرحبا بالوفاق وإن كان مرادهم إن كل متواتر لا يحتاج إلى النظر مطلقا فهو مكابرة وإلى ما ذكرنا ينظر كلام سيدنا المرتضى رحمه الله حيث قال إن اخبار البلدان والوقائع والملوك وهجرة النبي صلى الله عليه وآله ومغازيه وما يجري هذا المجرى يجوز أن يكون العلم بها ضرورة من فعل الله تعالى ويجوز أن تكون مكتسبة من أفعال العباد وأما ما عدا ذلك مثل العلم بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من أحكام الشريعة والنص الحاصل على الأئمة عليهم السلام فنقطع على أنه مستدل عليه وهذا هو التفصيل الذي أشرنا إليه وارتضاه الشيخ في العدة والظاهر أن القول بالتوقف المنسوب إليه أيضا إنما هو في القسم الأول من الضروريات ومنشأ التوقف الشك والتأمل في أن العلم هل يحصل بجعل الله تعالى اضطرارا من دون اختيار العبد بعد حصول المقدمات (هنا)؟ ويحصل من جهة كسب العبد والتأمل في المقدمات من كون المخبرين عددا يمتنع كذبهم وأنهم أخبروا عن حس وإن لم يكن متفطنا بها حين حصول العلم إذ يصدق حينئذ أن العلم ناش عن الكسب وإن لم يتفطن بالمكتسب عنه حين العلم إذ لا فرق بين المعلومات الموصلة إلى المطلوب التي كانت حاصلة بالعلم الاجمالي أو التفصيلي فإن من أسس أساسا وأصل أصلا وقاعدة يتفرع عليه فروع كثيرة فقد اكتسب في ذلك فكلما ترتب عنده نتيجة على ما أصله بسبب علمه به إجمالا يصدق أنه من كسبياته و إن احتمل أيضا أن يكون مع ذلك إلقاء العلم في روعه بفعل الله تعالى ومجرى عادته عقيب اخبار هذا القدر من المخبرين ومما ذكرنا ظهر أن المتواتر بعد العلم بالتواتر أيضا يمكن أن يكون نظريا فضلا عن ابتداء الامر وأما الدليل الثاني ففيه أن العوام والصبيان أيضا لهم معلومات نظرية بالضرورة وأنهم يستفيدون ذلك من المقدمات ويترتب في نظرهم مقدمات الدليل ويحصل لهم النتيجة لكنهم لا يتفطنون بها من حيث هي كذلك والمقدمات العادية لا إشكال فيها ولا دقة بحيث لم تحصل للعوام والصبيان بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا على المقدمات العادية التي يفهمه أكثر العقلاء وإلا فلا نجد أحدا من غير العلماء والأزكياء يعلم ضره من نفعه وخيره من شره مع أن ذلك مبتن على قاعدة إدراك الحسن والقبح العقلي ولزوم الاجتناب عن المضار وحسن ارتكاب المنافع و
(٤٢٣)