وقوله حكاية عن إبراهيم: (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) فإنه لم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه، حيث لم يصرح فيه بأن العذاب لاحق له، ولكنه قال: (إني أخاف) فذكر الخوف والمس، وذكر العذاب ونكره ولم يصفه بأنه يقصد التهويل بل قصد استعطافه، ولهذا ذكر " الرحمن " ولم يذكر " المنتقم " ولا " الجبار " على، حد قوله:
فما يوجع الحرمان من كف حارم * كما يوجع الحرمان من كف رازق ومنه قوله تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون)، فإنه قد يقال: ما الحكمة في التعبير بالسخرية دون الاستهزاء؟
وهلا قيل: " فحاق بالذين استهزؤا بهم " ليطابق ما قبله؟
والجواب أن الاستهزاء هو إسماع الإساءة، والسخرية قد تكون في النفس ولهذا يقولون: سخرت منه كما يقولون: عجبت منه، ولا يقال: تجنب ذلك لما في ذلك من تكرار الاستهزاء ثلاث مرات، لأنه قد كرر السخرية ثلاثا في قوله تعالى: (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، وإنما لم يقل: " نستهزئ بكم " لأن الاستهزاء ليس من فعل الأنبياء.
وأما قوله: (الله يستهزئ بهم) فالعرب تسمى الجزاء على الفعل باسم الفعل، كقوله: (نسوا الله فنسيهم)، وهو مجاز حسن، وأما الاستهزاء الذي نحن بصدده فهو استهزاء حقيقة، لا يرضى به إلا جاهل.
ثم قال سبحانه: (فحاق بالذين سخروا منهم)، أي حاق بهم من الله الوعيد