فقال: " تثير " مضارعا، وما قبله وما بعده ماضيا، مبالغة في تحقيق إثارة الرياح السحاب للسامعين وتقدير تصوره في أذهانهم.
فإن قيل: أهم الأفعال المذكورة في الآية إحياء الموتى، وقد ذكر بلفظ الماضي، وما ذكرته يقتضي أولوية ذكره بلفظ المضارع، إذ هو أهم، وإثارة السحاب سبب أعيد على قريب.
قيل: لا نسلم بأهمية إحياء الأرض بعد موتها، فالمقدمات المذكورة أهمها وأدلها على القدرة أعجبها وأبعدها عن قدرة البشر، وإثارة السحاب أعجبها، فكان أولى بالتخصيص بالمضارع، وإنما قال: إن إثارة السحاب أعجب لأن سببها أخفى، من حيث إنا نعلم بالفعل أن نزول الماء سبب في اخضرار الأرض، وإثارة السحاب وسوقه سبب نزول الماء.
فلو خلينا وظاهر العقل لم نقل: إن الرياح سببها، لعدم إحساسنا بمادة السحاب وجهته.
ومن لواحق ذلك العدول عن المستقبل إلى اسم المفعول، لتضمنه معنى الماضي، كقوله: (يوم مجموع له الناس)، تقريرا للجمع فيه، وأنه لا بد أن يكون معادا للناس، مضروبا لجميعهم، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله: (يوم يجمعكم ليوم الجمع) لتعرف صحة هذا المعنى.
فإن قلت: الماضي أدل على المقصود من اسم المفعول، فلم عدل عنه إلى ما دلالته أضعف؟ قلت: لتحصل المناسبة بين " مجموع " و " مشهور " في استواء شأنهما طلبا للتعديل في العبارة.
ومنه العدول عن المستقبل إلى اسم الفاعل، كقوله تعالى: (وإن الدين لواقع)، فإن اسم الفاعل ليس حقيقة في الاستقبال، بل في الحال.