ولما أراد غير ذلك قال: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم)، لما كانت جميع الألفاظ مستعملة.
ومنه قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، فإنه سبحانه لما نهى عن الركون إلى الظالمين، وهو الميل إليهم والاعتماد عليهم، وكان دون ذلك مشاركتهم في الظلم، أخبر أن العقاب على ذلك دون العقاب على الظلم، وهو مس النار الذي هو دون الإحراق والاضطرام، وإن كان المس قد يطلق ويراد به الإشعار بالعذاب.
ومنه قوله تعالى: (لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك)، فإنه نشأ في الآية سؤال، وهو أن الترتيب في الجمل الفعلية تقديم الفعل وتعقيبه بالفاعل، ثم بالمفعول، فإن كان في الكلام مفعولان: أحدهما يعدى وصول الفعل إليه بالحرف، والآخر بنفسه، قدم ما تعدى إليه الفعل بنفسه، وعلى ذلك جاء قوله تعالى:
(وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم).
إذا ثبت هذا، فقد يقال: كيف توخى حسن الترتيب في عجز الآية دون صدرها؟
والجواب أن حسن الترتيب منع منه في صدر الآية مانع أقوى، وهو مخافة أن يتوالى ثلاثة أحرف متقاربات المخرج، فيثقل الكلام بسبب ذلك، فإنه لو قيل " لئن بسطت يدك إلى " والطاء والتاء متقاربة المخرج، فلذلك حسن تقديم المفعول الذي تعدى الفعل إليه بالحرف على الفعل الذي تعدى إليه بنفسه، ولما أمن هذا المحذور في عجز الآية لما اقتضته البلاغة من الإتيان باسم الفاعل موضع الجملة الفعلية، لتضمنه معنى الفعل الذي تصح به المقابلة، جاء الكلام على ترتيبه، من تقديم المفعول الذي تعدى الفعل إليه بنفسه، على