لما أخبر عنها بأخبار الآدميين جرى ضميرها على حد من يعقل، وكذا البواقي.
فإن قيل: فقد غلب غير العاقل على العاقل في قوله: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة) فإنه لو غلب العاقل على غير العاقل لأتى ب " من ".
فالجواب أن هذا الموضع غلب فيه من يعقل، وعبر عن ذلك ب " ما "، لأنها واقعة على أجناس من يعقل خاصة، كهذه الآية.
قوله: (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن)، ولم يقل " ومن فيهن " قيل: لأن كلمة " ما " تتناول الأجناس كلها تناولا عاما بأصل الوضع، و " من " لا تتناول غير العقلاء بأصل الوضع، فكان استعمال " ما " هنا أولى.
وقد يجتمع في لفظ واحد تغليب المخاطب على الغائب، والعقلاء على غيرهم، كقوله:
(جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه)، أي خلق لكم أيها الناس من جنسكم ذكورا وإناثا، وخلق الأنعام أيضا من أنفسها ذكورا وإناثا، يذرؤكم، أي ينبتكم ويكثركم أيها الناس والأنعام، في هذا التدبير والجعل، فهو خطاب للجميع، للناس المخاطبين وللأنعام المذكورة بلفظ الغيبة، ففيه تغليب المخاطب على الغائب، وإلا لما صح ذكر الجميع - أعني الناس والأنعام - بطريق الخطاب، لأن الأنعام غيب، و [فيه] تغليب العقلاء على غيرهم، وإلا لما صح خطاب الجمع بلفظ " كم " المختص بالعقلاء، ففي لفظ " كم " تغليبان، ولولا التغليب لكان القياس أن يقال: يذرؤكم وإياها.
هكذا قرره السكاكي والزمخشري.
ونوزعا فيه، بأن جعل الخطاب شاملا للأنعام تكلف لا حاجة إليه، لأن الغرض إظهار القدرة وبيان الألطاف في حق الناس، فالخطاب مختص بهم، والمعنى: يكثركم