وهذا القول - وهو جعل الجملة حالا - قد ذكره جماعة قبل ابن المنير. والظاهر أن الزمخشري لم يرتض هذا القول، لأن جعل الجملة حالا لا يفيده ما يفيد العطف، من نفي العوج عن الكتاب مطلقا، غير مقيد بالإنزال وهو المقصود. فالفائدة التي هي أتم إنما تكون على تقدير استقلال الجملة. كيف والقول بالتقديم والتأخير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما!
نقله الطبري وغيره.
وقال الواحدي: هو قول جميع أهل اللغة والتفسير. والزمخشري ربما لاحظ هذا المعنى، ولم يمنع جواز غير ما قال، لكن ما قال هو الأحسن.
وقال غير ابن المنير في الاعتراض على الزمخشري: إن الجملة وإن كانت مستقلة فهي في حيز الصلة للعطف، فلم يقع فصل، ويؤيد ما ذكره صاحب الكشاف أن بعض القراء يسكت عند قوله: " عوجا " ويفصل بينه وبين " قيما " بسكتة لطيفة، وهي رواية حفص عن عاصم، وذلك يحتمل أن يكون لما ذكرنا من تقدير الفصل وانقطاع الكلام عما قبله.
قال ابن المنير: وتحتمل السكتة وجها آخر، وهو أن يكون ذلك لرفع توهم أن يكون " قيما " نعتا للعوج، لأن النكرة تستدعي النعت غالبا، وقد كثر في كلامهم إيلاء النكرة الجامدة نعتها، كقوله: (صراطا مستقيما)، و (قرآنا عربيا)، فإذا ولي النكرة الجامدة اسم مشتق نكرة ظهر فيه معنى الوصف، فربما خيف اللبس في جعل " قيما " نعتا ل " عوج "، فوقع اللبس بهذه السكتة.
وهذا أيضا فيه نظر، لأن ذلك إنما يتوهم فيما يصلح أن يكون وصفا، ولا يصلح " قيما " أن يكون وصفا ل " عوج " فإن الشيء لا يوصف بضده، لأن العوج لا يكون قيما، والأولى ما ذكرناه أولا.
* * *