لأن الباء للحال والعصبة مستصحبة المفاتح، لا تستصحبها المفاتح. وفائدته المبالغة، يجعل المفاتح كأنها مستتبعة للعصبة القوية بثقلها.
وقيل: لا قلب فيه، والمراد - والله أعلم - أن المفاتح تنوء بالعصبة، أي تميلها من ثقلها.
وقد ذكر هذا الفراء وغيره.
وقال ابن عصفور: والصحيح ما ذهب إليه الفارسي أنها بالنقل ولا قلب، والفعل غير متعد، فصار متعديا بالباء، لأن " ناء " غير متعد، يقال: ناء النجم، أي نهض، ويقال:
ناء، أي مال للسقوط. فإذا نقلت الفعل بالباء قلت: نؤت به، أي أنهضته وأملته للسقوط، فقوله: (لتنوء بالعصبة) أي تميلها المفاتح للسقوط لثقلها.
قال: وإنما كان مذهب الفارسي أصح، لأن نقل الفعل غير المتعدي بالباء مقيس، والقلب غير مقيس، فحمل الآية على ما هو مقيس أولى.
ومنه قوله تعالى: (خلق الانسان من عجل)، أي خلق العجل من الانسان.
قاله ثعلب وابن السكيت.
قال الزجاج: ويدل على ذلك: (وكان الانسان عجولا).
قال ابن جنى: والأحسن أن يكون تقديره: خلق الانسان من العجلة، لكثرة فعله إياه، واعتماده له، وهو أقوى في المعنى من القلب، لأنه أمر قد اطرد واتسع، فحمله على القلب يبعد في الصنعة، ويضعف المعنى.
ولما خفي هذا على بعضهم قال: إن العجل هاهنا الطين، قال: ولعمري إنه في اللغة كما ذكر، غير أنه ليس المراد هنا إلا نفس العجل، ألا ترى إلى قوله عقبه: (سأريكم آياتي فلا تستعجلون)، ونظيره قوله: (وكان الانسان عجولا)، وخلق الانسان