وأما قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم)، فإنما قدم القرآن منبها له على فضيلة المنزل إليهم.
ومنها سبق وجوب، كقوله تعالى: (واركعوا واسجدوا)، وقوله: (تراهم ركعا سجدا).
فإن قيل: فقد قال: (اسجدي واركعي مع الراكعين).
قيل: يحتمل أنه كان في شريعتهم السجود قبل الركوع، ويحتمل أن يراد بالركوع ركوع الركعة الثانية.
وقيل: المراد ب " اركعي " أشكري.
وقيل: أراد ب " اسجدي " صلى وحدك، و ب " اركعي " صلى في جماعة، ولذلك قال:
(مع الراكعين).
ومنها سبق تنزيه، كقوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه)، فبدأ بالرسول قبل المؤمنين، ثم قال: (كل آمن بالله وملائكته)، فبدأ بالإيمان بالله، لأنه قد يحصل بدليل العقل، والعقل سابق في الوجود على الشرع، ثم قال: " وملائكته " مراعاة لإيمان الرسول، فإنه يتعلق بالملك الذي هو جبريل أولا، ثم بالكتاب الذي نزل به جبريل، ثم بمعرفة نفسه أنه رسول. وإنما عرف نبوة نفسه بعد معرفته بجبريل عليه السلام وإيمانه، فترتب الذكر المنزل عليه بحسب ذلك، فظهرت الحكمة والإعجاز، فقال: (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)، لأن الملك هو النازل بالكتاب، وإن كان الكتاب أقدم من الملك، ولكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للملك كانت قبل سماعه الكتاب. وأما إيماننا نحن بالعقل. آمنا بالله، أي