يحكى أن بعض الزنادقة سأل الحسن بن علي رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: إني أجد في القرآن تكرارا، وذكر له ذلك، فأجابه الحسن بما حاصله: إن الكفار قالوا: نعبد إلهك شهرا وتعبد آلهتنا شهرا، فجاء النفي متوجها إلى ذلك. والمقصود أن هذه ليست من التكرار في شئ، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأن قوله: (لا أعبد ما تعبدون)، أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: (ولا أنا عابد ما عبدتم)، أي ولا أنا عابد في الحال ما عبدتم في المستقبل، (ولا أنتم عابدون)، في الحال ما أعبد في المستقبل.
والحاصل أن القصد نفى عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة: الحال، والماضي، والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولا بد من نفيه، لكنه حذف لدلالة الأولين عليه.
وفيه تقدير آخر، وهي أن الجملة الأولى فعلية، والثانية إسمية، وقولك: لا " أفعله " و " لا أنا فاعله " أحسن من قولك: " لا أفعله "، " ولا أفعله "، فالجملة الفعلية نفي لإمكانه، والاسمية نفى لاتصافه، كما في قوله تعالى: (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) (وما أنت بمسمع من في القبور). والمعنى أنه تبرأ من فعله ومن الاتصاف به، وهو أبلغ في النفي، وأما المشركون فلم ينتف عنهم إلا بصيغة واحدة، وهي قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الموضعين.
وفرق آخر، وهو أنه قال في نفيه الجملة الاسمية: (ولا أنا عابد ما عبدتم) وقال في النفي عنهم: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) عائد في حقه بين الجملتين، وقال: (لا أعبد ما تعبدون) بالمضارع، وفي الثاني: (ولا أنا عابد ما عبدتم) بالماضي، فإن المضارع يدل على الدوام، بخلاف الماضي، فأفاد ذلك أن ما عبدتموه ولو مرة ما أنا عابد له البتة، ففيه كمال