واعلم أنه تعالى أنزل آيات كثيرة في هذا المعنى منها قوله تعالى: * (لا تتخذوا بطانة من دونكم) * (آل عمران: 118) وقوله * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (المجادلة: 22) وقوله * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * وقوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * (الممتحنة: 1) وقال: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * (التوبة: 71).
واعلم أن كون المؤمن مواليا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون راضيا بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع منه لأن كل من فعل ذلك كان مصوبا له في ذلك الدين، وتصويب الكفر كفر والرضا بالكفر كفر، فيستحيل أن يبقى مؤمنا مع كونه بهذه الصفة.
فإن قيل: أليس أنه تعالى قال: * (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) * وهذا لا يوجب الكفر فلا يكون داخلا تحت هذه الآية، لأنه تعالى قال: * (يا أيها الذين آمنوا) * فلا بد وأن يكون خطابا في شيء يبقى المؤمن معه مؤمنا وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع منه.
والقسم الثالث: وهو كالمتوسط بين القسمين الأولين هو أن موالاة الكفار بمعنى الركون إليهم والمعونة، والمظاهرة، والنصرة إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه، لأن الموالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه، وذلك يخرجه عن الإسلام فلا جرم هدد الله تعالى فيه فقال: * (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) *.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء بمعنى أن يتولوهم دون المؤمنين، فأما إذا تولوهم وتولوا المؤمنين معهم فذلك ليس بمنهي عنه، وأيضا فقوله * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) * فيه زيادة مزية، لأن الرجل قد يوالي غيره ولا يتخذه مواليا فالنهي عن اتخاذه مواليا لا يوجب النهي عن أصل مولاته.
قلنا: هذان الاحتمالان وإن قاما في الآية إلا أن سائر الآيات الدالة على أنه لا تجوز موالاتهم دلت على سقوط هذين الاحتمالين.
المسألة الثانية: إنما كسرت الذال من يتخذ لأنها مجزوم للنهي، وحركت لاجتماع الساكنين قال الزجاج: ولو رفع على الخبر لجاز، ويكون المعنى على الرفع أن من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر وليا.
واعلم أن معنى النهي ومعنى الخبر يتقاربان لأنه متى كانت صفة المؤمن أن لا يوالي الكافر كان