فهو أن يفعل بالإنسان مثل ما فعل، من قولك: اقتص فلان أثر فلان إذا فعل مثل فعله، قال تعالى * (فارتدا على آثارهما قصصا) * (الكهف: 64) وقال تعالى: * (وقالت لأخته قصيه) * (القصص: 11) أي اتبعي أثره، وسميت القصة قصة لأن بالحكاية تساوي المحكي، وسمي القصص لأنه يذكر مثل أخبار الناس، ويسمى المقص مقصا لتعادل جانبيه.
أما قوله تعالى: * (في القتلى) * أي بسبب قتل القتلى، لأن كلمة * (في) * قد تستعمل للسببية كقوله عليه السلام: " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " إذا عرفت هذا فصار تقدير الآية: يا أيها الذين آمنوا وجب عليكم القصاص بسبب قتل القتلى، فدل ظاهر الآية على وجوب القصاص على جميع المؤمنين بسبب قتل جميع القتلى، إلا أنهم جمعوا على أن غير القاتل خارج من هذا العموم وأما القاتل فقد دخله التخصيص أيضا في صور كثيرة، وهي إذا قتل الوالد ولده، والسيد عبده وفيما إذا قتل المسلم حربيا أو معاهدا، وفيما إذا قتل مسلم خطأ إلا أن العام الذي دخله التخصيص يبقى حجة فيما عداه. فإن قيل: قولكم هذه الآية تقتضي وجوب القصاص فيه إشكالان الأول: أن القصاص لو وجب لوجب إما على القاتل، أو على ولي الدم، أو على ثالث، والأقسام الثلاثة باطلة، وإنما قلنا: إنه لا يجب على القاتل لأن القاتل لا يجب عليه أن يقتل نفسه، بل يحرم عليه ذلك، وإنما قلنا: إنه غير واجب على ولي الدم لأن ولي الدم مخير في الفعل والترك، بل هو مندوب إلى الترك بقوله: * (وأن تعفوا أقرب للتقوى) * (البقرة: 237) والثالث أيضا باطل لأنه يكون أجنبيا عن ذلك القتل والأجنبي عن الشئ لا تعلق له به.
السؤال الثاني: إذا بينا أن القصاص عبارة عن التسوية فكان مفهوم الآية إيجاب التسوية وعلى هذا التقدير لا تكون الآية دالة على إيجاب القتل البتة، بل أقصى ما في الباب أن الآية تدل على وجوب رعاية التسوية في القتل الذي يكون مشروعا وعلى هذا التقدير تسقط دلالة الآية على كون القتل مشرعا بسبب القتل.
والجواب عن السؤال الأول: من وجهين الأول: أن المراد إيجاب إقامة القصاص على الإمام أو من يجرى مجراه، لأنه متى حصلت شرائط وجوب القود فإنه لا يحل للإمام أن يترك القود لأنه من جملة المؤمنين، والتقدير: يا أيها الأئمة كتب عليكم استيفاء القصاص إن أراد ولي الدم استيفاءه والثاني: أنه خطاب مع القاتل والتقدير: يا أيها القاتلون كتب عليكم تسليم النفس عند مطالبة الولي بالقصاص وذلك لأن القاتل ليس له أن يمتنع ههنا وليس له أن ينكر، بل