الأمر كذلك جاز أن يقول * (فمن عفي له من أخيه شيء) *.
والجواب الثاني: أن تنكير الشيء يفيد فائدة عظيمة، لأنه يجوز أن يتوهم أن العفو لا يؤثر في سقوط القود، إلا أن يكون عفوا عن جميعه، فبين تعالى أن العفو عن جزئه كالعفو عن كله في سقوط القود، وعفو بعض الأولياء عن حقه، كعفو جميعهم عن خلقهم، فلو عرف الشيء كان لا يفهم منه ذلك، فلما نكره صار هذا المعنى مفهوما منه، فلذلك قال تعالى: * (فمن عفي له من أخيه شيء) *.
البحث الرابع: بأي معنى أثبت الله وصف الأخوة.
والجواب: قيل: إن ابن عباس تمسك بهذه الآية في بيان كون الفاسق مؤمنا من ثلاثة أوجه: الأول: أنه تعالى سماه مؤمنا حال ما وجب القصاص عليه، وإنما وجب القصاص عليه إذا صدر عنه القتل العمد العدوان وهو بالإجماع من الكبائر، وهذا يدل على أن صاحب الكبيرة مؤمن والثاني: أنه تعالى أثبت الأخوة بين القاتل وبين ولي الذم، ولا شك أن هذه الأخوة تكون بسبب الدين، لقوله تعالى: * (إنما المؤمنون أخوة) * فلولا أن الإيمان باق مع الفسق وإلا لما بقيت الأخوة الحاصلة بسبب الإيمان الثالث: أنه تعالى ندب إلى العفو عن القاتل، والندب إلى العفو إنما يليق بالمؤمن، أجابت المعتزلة عن الوجه الأول فقالوا: إن قلنا المخاطب بقوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * هم الأئمة فالسؤال زائل، وإن قلنا: إنهم هم القاتلون فجوابه من وجهين أحدهما: أن القتال قبل إقدامه على القاتل كان مؤمنا، فسماه الله تعالى مؤمنا بهذا التأويل والثاني: أن القتل قد يتوب وعند ذلك يكون مؤمنا، ثم إنه تعالى أدخل فيه غير التائب على سبيل التغليب.
وأما الوجه الثاني: وهو ذكر الأخوة، فأجابوا عنه من وجوه الأول: أن الآية نازلة قبل أن يقتل أحد أحدا، ولا شك أن المؤمنين إخوة قبل الإقدام على القتل والثاني: الظاهر أن الفاسق يتوب، وعلى هذا التقدير يكون ولي المقتول أخا له والثالث: يجوز أن يكون جعله أخا له في النسب كقوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا) * والرابع: أنه حصل بين ولي الدم وبين القاتل تعلق واختصاص، وهذا القدر يكفي في إطلاق اسم الأخوة، كم تقول للرجل، قل لصاحبك كذا إذا كان بينهما أدنى تعلق والخامس: ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية في الإقرار والاعتقاد.
والجواب: أن هذه الوجوه بأسرها تقتضي تقييد الأخوة بزمان دون زمان، وبصفة دون