للزاني والسارق الهرب من الحد ولهما أيضا أن يستترا بستر الله ولا يقرأ، والفرق أن ذلك حق الآدمي.
وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو أن ظاهر الآية يقتضي إيجاب التسوية في القتل والتسوية في القتل صفة القتل وإيجاب الصفة يقتضي إيجاب الذات، فكانت الآية مفيدة لإيجاب القتل من هذا الوجه ويتفرع على ما ذكرنا مسائل:
المسألة الأولى: ذهب أبو حنيفة إلى موجب العمد هو القصاص، وذهب الشافعي في أحد قوليه إن أن موجب العمد إما القصاص وإما الدية، واحتج أبو حنيفة بهذه الآية، ووجه الاستدلال بها في غاية الضعف، لأنه سواء كان المخاطب بهذا الخطاب هو الإمام أو ولي الدم فهو بالاتفاق مشروط بما إذا كان ولي الدم يريد القتل على التعيين، وعندنا أنه متى كان الأمر كذلك كان القصاص متعينا، إنما النزاع في أن ولي الدم هل يتمكن من العدول إلى الدية وليس في الآية دلالة على أنه إذا أراد الدية ليس له ذلك.
المسألة الثانية: اختلفوا في كيفية المماثلة التي دلت هذه الآية على إيجابها فقال الشافعي: يراعي جهة القتل الأول فإن كان الأول قتله بقطع اليد قطعت يد القاتل فإن مات منه في تلك المرأة وإلا حزت رقبته، وكذلك لو أحرق الأول بالنار أحرق الثاني، فإن مات في تلك المرة وإلا حزت رقبته، وقال أبو حنيفة رحمه الله: المراد بالمثل تناول النفس بأرجى ما يمكن فعلى هذا لا اقتصاص إلا بالسيف بحز الرقبة، حجة الشافعي رحمه الله أن الله تعالى أوجب التسوية بين الفعلين وذلك يقتضي حصول التسوية من جميع الوجوه الممكنة، ويدل عليه وجوه أحدها: أنه يجوز أن يقال كتبت التسوية في القتلى إلا في كيفية القتل، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، فدخل هذا على أن كيفية القتل داخلة تحت النص وثانيها: أنا لو لم نحكم بدلالة هذه الآية على التسوية في كل الأمور لصارت الآية مجملة ولو حكمنا فيها بالعموم كانت الآية مفيدة، لكنها بما صارت مخصوصة في بعض الصور والتخصيص أهون من الإجمال وثالثها: أن الآية لو لم تفد إلا الإيجاب للتسوية في أمر من الأمور فلا شيئين إلا وهما متساويان في بعض الأمور، فحينئذ لا يستفاد من هذه الآية شيء البتة، وهذا الوجه قريب من الثاني فثبت أن هذه الآية تفيد وجود التسوية من كل الوجوه ثم تأكد هذا النص بسائر النصوص المقتضية لوجوب المماثلة، كقوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40) * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) * (غافر: 40) ثم تأكدت هذه النصوص المتواترة بالخبر المشهور عن الرسول عليه السلام وهو قوله: