الدية آثر عنده من القود إدا كان محتاجا إلى المال، وقد يكون القود آثر إذا كان راغبا في التشفي ودفع شر القاتل عن نفسه، فجعل الخيرة له فيما أحبه رحمة من الله في حقه.
فإن قيل: لا نسلم أن العافي هو ولي الدم وقوله العفو إسقاط الحق وذلك لا يليق إلا بولي الدم.
قلنا: لا نسلم أن العفو هو إسقاط الحق، بل المراد من قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * أي فمن سهل له من أخيه شيء، يقال: أتاني هذا المال عفوا صفوا، أي سهلا، ويقال: خذ ما عفا، أي ما سهل، قال الله تعالى: * (خذ العفو) * فيكون تقدير الآية: فمن كان من أولياء الدم وسهل له من أخيه الذي هو القاتل شيء من المال فليتبع ولي الدم ذلك القاتل في مطالبة ذلك المال وليؤد القاتل إلى ولي الدم ذلك المال بالإحسان من غير مطل ولا مدافعة، فيكون معنى الآية على هذا التقدير: إن الله تعالى حث الأولياء إذا دعوا إلى الصلح من الدم على الدية كلها أو بعضها أن يرضوا به ويعفوا عن القود.
سلمنا أن العافي هو ولي الدم، لكن لم لا يجوز أن يقال: المراد هو أن يكون القصاص مشتركا بين شريكين فيعفو أحدهما فحينئذ ينقلب نصيب الآخر مالا فالله تعالى أمر الشريك الساكت باتباع القاتل بالمعروف، وأمر القاتل بالأداء إليه بإحسان.
سلمنا أن العافي هو ولي الدم سواء كان له شريك أو لم يكن، لكن لم لا يجوز أن يقال: إن هذا مشروط برضا القاتل، إلا أنه تعالى لم يذكر رضا القاتل لأنه يكون ثابتا لا محالة لأن الظاهر من كل عامل أنه يبذل كل الدنيا لغرض دفع القتل عن نفسه لأنه إذا قتل لا يبقى له لا النفس ولا المال أما بذل المال ففيه إحياء النفس، فلما كان هذا الرضا حاصلا في الأعم الأغلب لا جرم ترك ذكره وإن كان معتبرا في النفس الأمر.
والجواب: حمل لفظ العفو في هذه الآية على إسقاط حق القصاص أولى من حمله على أن يبعث القاتل المال إلى ولي الدم، وبيانه من وجهين الأول: أن حقيقة العفو إسقاط الحق، فيجب أن لا يكون حقيقة في غيره دفعا للاشتراك، وحمل اللفظ في هذه الآية على إسقاط الحق أولى من حمله على ما ذكرتم، لأنه لما تقدم قوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * كان حمل قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * على إسقاط حق القصاص أولى، لأن قوله: * (شيء) * لفظ مبهم وحمل هذا المبهم على ذلك المعنى الذي هو المذكور السابق أولى الثاني: أنه لو كان المراد بالعفو ما ذكرتم، لكان قوله: * (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * عبثا لأن بعد وصول المال