دل ذلك على أن رعاية التسوية في الحرية والعبدية معتبرة، لأن قوله: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * خرج مخرج التفسير لقوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * وإيجاب القصاص على الحر بقتل العبد إهمال لرعاية التسوية في هذا المعنى، فوجب أن لا يكون مشروعا فإن احتج الخصم بقوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * (المائدة: 45) فجوابنا أن الترجيح معنا لوجهين أحدهما: أن قوله: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * شرع لمن قبلنا، والآية التي تمسكنا بها شرع لنا ولا شك أن شرعنا أقوى في الدلالة من شرع من قبلنا وثانيهما: أن الآية التي تمسكنا بها مشتملة على أحكام النفوس على التفصيل والتخصيص، ولا شك أن الخاص مقدم على العام، ثم قال أصحاب هذا القول مقتضى ظاهر هذه الآية أن لا يقتل العبد إلا بالعبد، وأن لا تقتل الأنثى إلا بالأنثى، إلا أنا خالفنا هذا الظاهر لدلالة الاجتماع، وللمعنى المستنبط من نسق هذه الآية، وذلك المعنى غير موجود في قتل الحر بالعبد، فوجب أن يبقى ههنا على ظاهر اللفظ، أما الإجماع فظاهر، وأما المعنى المستنبط فهو أنه لما قتل العبد بالعبد فلأن يقتل بالحر وهو فوقه كان أولى، بخلاف الحر فإنه لما قتل بالحر لا يلزم أن يقتل بالعبد الذي هو دونه، وكذا القول في قتل الأنثى بالذكر، فأما قتل الذكر بالأنثى فليس فيه إلا الإجماع والله أعلم.
القول الثاني: أن قوله تعالى: * (الحر بالحر) * لا يفيد الحصر البتة، بل يفيد شرع القصاص بين المذكورين من غير أن يكون فيه دلالة على سائر الأقسام، واحتجوا عليه بوجهين الأول: أن قوله: * (والأنثى بالأنثى) * يقتضي قصاص المرأة الحرة بالمرأة الرقيقة، فلو كان قوله: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * مانعا من ذلك لوقع التناقض الثاني: أن قوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * جملة تامة مستقلة بنفسها وقوله: * (الحر بالحر) * تخصيص لبعض جزئيات تلك الجملة بالذكر وإذا تقدم ذكر الجملة المستقلة كان تخصيص بعض الجزئيات بالذكر لا يمتنع من ثبوت الحكم في سائر الجزئيات بل ذلك التخصيص يمكن أن يكون لفوائد سوى نفي الحكم عن سائر الصور، ثم اختلفوا في تلك الفائدة فذكروا فيها وجهين الأول: وهو الذي عليه الأكثرون أن تلك الفائدة بيان إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية على ما روينا في سبب نزول هذه الآية أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيلة القاتل، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك، واعلم أن للقائلين بالقول الأول أن يقولوا قوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * هذا يمنع من جواز قتل الحر بالعبد لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة لأنه زائد عليه في الشرف وفي أهلية القضاء والإمامة والشهادة فوجب أن