ليلة خروجه إلى الغار، ويروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عليه السلام عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الآية.
المسألة الثانية: أكثر المفسرين على أن المراد بهذا الشراء: البيع، قال تعالى: * (وشروه بثمن بخس) * (يوسف: 20) أي باعوه، وتحقيقه أن المكلف باع نفسه بثواب الآخرة وهذا البيع هو أنه بذلها في طاعة الله، من الصلاة والصيام والحج والجهاد، ثم توصل بذلك إلى وجدان ثواب الله، كان ما يبذله من نفسه كالسلعة، وصار الباذل كالبائع، والله كالمشتري، كما قال: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * (التوبة: 111) وقد سمى الله تعالى ذلك تجارة، فقال: * (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) * (الصف: 10 - 11) وعندي أنه يمكن إجراء لفظة الشراء على ظاهرها وذلك أن من أقدم على الكفر والشرك والتوسع في ملاذ الدنيا والإعراض عن الآخرة وقع في العذاب الدائم فصار في التقدير كأن نفسه كانت له، فبسبب الكفر والفسق خرجت عن ملكه وصارت حقا للنار والعذاب، فإذا ترك الكفر والفسق وأقدم على الإيمان والطاعة صار كأنه اشترى نفسه من العذاب والنار فصار حال المؤمن كالمكاتب يبذل دارهم معدودة ويشتري بها نفسه فكذلك المؤمن يبذل أنفاسا معدودة ويشتري بها نفسه أبدا لكن المكاتب عبد ما بقي عليه دارهم، فكذا المكلف لا ينجو عن رق العبودية ما دام له نفس واحد في الدنيا ولهذا قال عيسى عليه السلام: * (أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * (مريم: 31) وقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) *.
فإن قيل: إن الله تعالى جعل نفسه مشتريا حيث قال: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) * (التوبة: 111) وهذا يمنع كون المؤمن مشتريا.
قلنا: لا منافاة بين الأمرين، فهو كمن اشترى ثوبا بعبد، فكل واحد منهما بائع، وكل واحد منهما مشتر، فكذا ههنا وعلى هذا التأويل فلا يحتاج إلى ترك الظاهر وإلى حمل لفظ الشراء على البيع.
إذا عرفت هذا فنقول: يدخل تحت هذا كل مشقة يتحملها الإنسان في طلب الدين، فيدخل فيه المجاهد، ويدخل فيه الباذل مهجته الصابر على القتل، كما فعله أبو عمار وأمه، ويدخل فيه الآبق من الكفار إلى المسلمين، ويدخل فيه المشتري نفسه من الكفار بماله كما فعل صهيب، ويدخل فيه من يظهر الدين والحق عند السلطان الجائر.
وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه بعث جيشا فحاصروا قصرا فتقدم منهم واحد، فقاتل حتى قتل