وقوله: * (ادخلوا في السلم كافة) * إشارة إلى ترك الذنوب والمعاصي، وذلك لأن المعصية مخالفة لله ولرسوله، فيصح أن يسمي تركها بالسلم، أو يكون المراد منه: كونوا منقادين لله في الإتيان بالطاعات، وترك المحظورات، وذلك لأن مذهبنا أن الإيمان باق مع الاشتغال بالمعاصي وهذا تأويل ظاهر وثانيها: أن يكون المراد من السلم كون العبد راضيا ولم يضطرب قلبه على ما روي في الحديث " الرضا بالقضاء باب الله الأعظم " وثالثها: أن يكون المراد ترك الإنتقام كما في قوله: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (الفرقان: 72) وفي قوله: * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) * (الأعراف: 199) فهذا هو كلام في وجوه تأويلات هذه الآية.
المسألة الرابعة: قال القفال * (كافة) * يصح أن يرجع إلى المأمورين بالدخول أي ادخلوا بأجمعكم في السلم. ولا تفرقوا ولا تختلفوا، قال قطرب: تقول العرب: رأيت القوم كافة وكافين ورأيت النسوة كافات ويصلح أن يرجع إلى الإسلام أي ادخلوا في الإسلام كله أي في كل شرائعه قال الواحدي رحمه الله: هذا أليق بظاهر التفسير لأنهم أمروا بالقيام بها كلها، ومعنى الكافة في اللغة الحاجزة المانعة يقال: كففت فلانا عن السوء أي منعته، ويقال: كف القميص لأنه منع الثواب عن الانتشار، وقيل لطرف اليد: كف لأنه يكف بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف أي كف بصره من أن يبصر، فالكافة معناها المانعة، ثم صارت اسما للجملة الجامعة وذلك لأن الإجتماع يمنع من التفرق والشذوذ، فقوله: * (ادخلوا في السلم كافة) * أي ادخلوا في شرائع الإسلام إلى حيث ينتهي شرائع الإسلام فتكفوا من أن تتركوا شيئا من شرائعه، أو يكون المعنى ادخلوا كلكم حتى تمنعوا واحدا من أن لا يدخل فيه.
أما قوله تعالى: * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * فالمعنى: ولا تطيعوه ومعروف في الكلام أن يقال فيمن اتبع سنة إنسان اقتفى أثره، ولا فرق بين ذلك وبين قوله: اتبعت خطواته. وخطوات جمع خطوة، وقد تقدم ذلك.
أما قوله تعالى: * (إنه لكم عدو مبين) * فقال أبو مسلم الأصفهاني: إن مبين من صفات البليغ الذي يعرب عن ضميره، وأقول: الذي يدل على صحة هذا المعنى قوله: * (حم والكتاب المبين) * (الزخرف: 1، الدخان: 1) ولا يعني بقوله مبينا إلا ذلك.
فإن قيل: كيف يمكن وصف الشيطان بأنه مبين مع أنا لا نرى ذاته ولا نسمع كلامه.
قلنا: إن الله تعالى لما بين عداوته لآدم ونسله فلذلك الأمر صح أن يوصف بأنه عدو مبين وإن لم يشاهد ومثاله: من يظهر عداوته لرجل في بلد بعيد فقد يصح أن يقال: إن فلانا عدو