ولا تتبعوا خطوات الشيطان في تحسينه عند الاقتصار على دين التوراة بسبب أنه دين اتفقوا كلهم على أنه حق بسبب أنه جاء في التوراة: تمسكوا بالسبت ما دامت السماوات والأرض، وبالجملة فالمراد من خطوات الشيطان الشبهات التي يتمسكون بها في بقاء تلك الشريعة.
ورابعها: هذا الخطاب واقع على المسلمين * (يا أيها الذين آمنوا) * بالألسنة * (ادخلوا في السلم كافة) * أي دوموا على الإسلام فيما تستأنفونه من العمر ولا تخرجوا عنه ولا عن شئ من شرائعه * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * أي ولا تلتفتوا إلى الشبهات التي تلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية ومن قال بهذا التأويل قال: هذا الوجه متأكد بما قبل هذه الآية وبما بعدها، أما ما قبل هذه الآية فهو ما ذكر الله تعالى في صفة ذلك المنافق في قوله: * (سعى في الأرض ليفسد فيها) * وما ذكرنا هناك أن المراد منه إلقاء الشبهات إلى المسلمين، فكأنه تعالى قال: دوموا على إسلامكم ولا تتبعوا تلك الشبهات التي يذكرها المنافقون، وأما ما بعد هذه الآية فهو قوله تعالى: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) * (البقرة: 210) يعني هؤلاء الكفار معاندون مصرون على الكفر قد أزيحت عللهم وهم لا يوقفون قولهم بهذا الدين الحق إلا على أمور باطلة مثل أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة.
فإن قيل: الموقوف بالشئ يقال له: دم عليه، ولكن لا يقال له: ادخل فيه والمذكور في الآية هو قوله: * (ادخلوا) *.
قلنا إن الكائن في الدار إذا علم أن له في المستقبل خروجا عنها فغير ممتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل حالا بعد حال، وإن كان كائنا فيها في الحال، لأن حال كونه فيها غير الحالة التي أمر أن يدخلها، فإذا كان في الوقت الثاني قد يخرج عنها صح أن يؤمر بدخولها، ومعلوم أن المؤمنين قد يخرجون عن خصال الإيمان بالنوم والسهو وغيرهما من الأحوال فلا يمتنع أن يأمرهم الله تعالى بالدخول في المستقبل في الإسلام وخامسها: أن يكون السلم المذكور في الآية معناه الصلح وترك المحاربة والمتنازعة، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة أي كونوا موافقين ومجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس، وهو كقوله: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) * (آل عمران: 103) وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) * (آل عمران: 200) وقال: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (آل عمران: 103) وقال عليه الصلاة والسلام: " المؤمن يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه " وهذه الوجوه في التأويل ذكرها جمهور المفسرين وعندي فيه وجوه أخر أحدها: أن قوله: * (يا أيها الذين آمنوا) * إشارة إلى المعرفة والتصديق بالقلب