المسألة الأولى: قوله تعالى: * (وإذا تولى) * فيه قولان: أحدهما: معناه وإذا انصرف من عندك سعى في الأرض بالفساد، ثم هذا الفساد يحتمل وجهين أحدهما: ما كان من اتلاف الأموال بالتخريب والتحريق والنهب، وعلى هذا الوجه ذكروا روايات منها ما قدمنا أن الأخنس لما أظهر للرسول عليه السلام أنه يحبه وأنه على عزم أن يؤمن فلما خرج من عنده مر بزرع للمسلمين فأحرق الزرع وقتل الحمر، ومنها أنه لما انصرف من بدر مر ببني زهرة وكان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم وأحرق زرعهم.
والوجه الثاني في تفسير الفساد: أنه كان بعد الانصراف من حضرة النبي عليه السلام يشتغل بإدخال الشبه في قلوب المسلمين، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر، وهذا المعنى يسمى فسادا، قال تعالى: حكاية عن قوم فرعون حيث قالوا له: * (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) * (الأعراف: 127) أي يردوا قومك عن دينهم، ويفسدوا عليهم شريعتهم، وقال أيضا: * (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) * (غافر: 26) وقد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: * ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) * (البقرة: 11) ما يقرب من هذا الوجه، وإنا سمي هذا المعنى فسادا في الأرض لأنه يوقع الإختلاف بين الناس ويفرق كلمتهم ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض، فتنقطع الأرحام وينسفك الدماء، قال تعالى: * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * (محمد: 22) فأخبر أنهم أن تولوا عن دينه لم يحصلوا إلا على الفساد في الأرض، وقطع الأرحام، وذلك من حيث قلنا وهو كثير في القرآن، واعلم أن حمل الفساد على هذا أولى من حمله على التخريب والنهب، لأنه تعالى قال: * (ويهلك الحرث والنسل) * والمعطوف مغاير للمعطوف عليه لا محالة.
القول الثاني: في تفسير قوله: * (وإذا تولى) * وإذا صار واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل، وقيل: يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل، والقول الأول أقرب إلى نظم الآية، لأن المقصود بيان نفاقه، وهو أنه عند الحضور يقول الكلام الحسن ويظهر المحبة، وعند الغيبة يسعى في إيقاع الفتنة والفساد.
المسألة الثانية: قوله: * (سعى في الأرض) * أي اجتهد في إيقاع القتال، وأصل السعي هو المشي بسرعة ولكنه مستعار لإيقاع الفتنة والتخريب بين الناس، ومنه يقال: فلان يسعى بالنميمة قال الله تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) * (التوبة: 47).
المسألة الثالثة: من فسر الفساد بالتخريب قال: إنه تعالى ذكره أولا على سبيل الإجمال، وهو قوله: * (ليفسد فيها) * ثم ذكره ثانيا على سبيل التفصيل فقال: * (ويهلك الحرث والنسل) * ومن فسر