لذلك المتشابه، لأن كل هذه الآيات لما وردت في واقعة واحدة لم يبعد حمل بعضها على البعض والثاني: أنه تعالى قال بعده: * (وقضى الأمر) * (هود: 24، البقرة: 21) ولا شك أن الألف واللام للمعهود السابق، فلا بد وأن يكون قد جرى ذكر أمر قبل ذلك حتى تكون الألف واللام إشارة إليه، وما ذاك إلا الذي أضمرناه من أن قوله: * (يأتيهم الله) * أي يأتيهم أمر الله.
فإن قيل: أمر الله عندكم صفة قديمة، فالإتيان عليها محال، وعند المعتزلة أنه أصوات فتكون أعراضا، فالإتيان عليها أيضا محال.
قلنا: الأمر في اللغة له معنيان، أحدهما الفعل والشأن والطريق، قال الله تعالى: * (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) * (هود: 97) * (وما أمر فرعون برشيد) * (القمر: 50) وفي المثل: لأمر ما جدع قصير أنفه، لأمر ما يسود من يسود فيحمل الأمر ههنا على الفعل، وهو ما يليق بتلك المواقف من الأهوال وإظهار الآيات المبينة، وهذا هو التأويل الأول الذي ذكرناه، وأما إن حملنا الأمر على الأمر الذي هو ضد النهي ففيه وجهان أحدهما: أن يكون التقدير أن مناديا ينادي يوم القيامة: ألا إن الله يأمركم بكذا وكذا، فذاك هو إتيان الأمر، وقوله: * (في ظلل من الغمام) * أي مع ظلل، والتقدير: إن سماع ذلك النداء ووصول تلك الظلل يكون في زمان واحد والثاني: أن يكون المراد من إتيان أمر الله في ظلل من الغمام حصول أصوات مقطعة مخصوصة في تلك الغمامات تدل على حكم الله تعالى على كل أحد بما يليق به من السعادة والشقاوة، أو يكون المراد أنه تعالى خلق نقوشا منظومة في ظلل من الغمام لشدة بياضها وسواد تلك الكتابة يعرف بها حال أهل الموقف في الوعد والوعيد وغيرهما وتكون فائدة الظلل من الغمام أنه تعالى جعله أمارة لما يريد إنزاله بالقوم فعنده يعلمون أن الأمر قد حضر وقرب.
الوجه الثالث: في التأويل أن المعنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعد من العذاب والحساب، فحذف ما يأتي به تهويلا عليهم، إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد وإذا لم يذكر كان أبلغ لانقسام خواطرهم، وذهاب فكرهم في ك لوجه، ومثله قوله تعالى: * (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * (الحشر: 2) والمعنى أتاهم الله بخذلانه إياهم من حيث لم يحتسبوا وكذلك قوله تعالى: * (فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب) * (النحل: 26) فقوله: * (وأتاهم العذاب) * كالتفسير لقوله تعالى: * (فأتى الله بنيانهم من القواعد) * ويقال في العرف الظاهر إذا سمع بولاية جائر: قد جاءنا فلان بجوره وظلمه، ولا شك أن هذا مجاز مشهور.