فقال بعض القوم: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذبتم رحم الله أبا فلان، وقرأ * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * ثم اعلم أن المشقة التي يتحملها الإنسان لا بد وأن تكون على وفق الشرع حتى يدخل بسببه تحت الآية، فأما لو كان على خلاف الشرع فهو غير داخل فيه بل يعد ذلك من باب إلقاء النفس في التهلكة نحو ما إذا خاف التلف عند الإغتسال من الجنابة ففعل، قال قتادة: أما والله ما هم بأهل حروراء المراق من الدين ولكنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار لما رأوا المشركين يدعون مع الله إلها آخر قاتلوا على دين الله وشروا أنفسهم غضبا لله وجهادا في سبيله.
المسألة الثانية: * (يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) * أي لابتغاء مرضاة الله، و * (يشري) * بمعنى يشتري.
أما قوله تعالى: * (والله رؤوف بالعباد) * فمن رأفته أنه جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته جوز لهم كلمة الكفر إبقاء على النفس، ومن رأفته أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ومن رأفته ورحمته أن المصر على الكفر مائة سنة إذا تاب ولو في لحظة أسقط كل ذلك العقاب. وأعطاه الثواب الدائم، ومن رأفته أن النفس له والمال، ثم أنه يشتري ملكه بملكه فضلا منه ورحمة وإحسانا.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن المنافق أنه يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، أمر المسلمين بما يضاد ذلك، وهو الموافقة في الإسلام وفي شرائعه، فقال: * (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) * وفيه مسائل.
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير ونافع والكسائي * (السلم) * بفتح السين، وكذا في قوله: * (وإن جنحوا للسلم) * (الأنفال: 61) وقوله: * (وتدعوا إلى السلم) * (محمد: 35) وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بن عياش * (السلم) * بكسر