تعالى هذه الشبهة وبين أنه لا إثم في الأمرين، فإن شاء استعجل وجرى على موجب الرخصة، وإن شاء لم يستعجل ولم يجر على موجب الرخصة، ولا إثم عليه في الأمرين جميعا وثانيها: قال بعض المفسرين: إن منهم من كان يتعجل، ومنهم من كان يتأخر، ثم كل واحد من الفريقين يعيب على الآخر فعله، كان المتأخر يرى أن التعجل مخالفة لسنة الحج، وكان المتعجل يرى أن التأخر مخالفة لسنة الحج، فبين الله تعالى أنه لا عيب في واحد من القسمين ولا إثم، فإن شاء تعجل وإن شاء لم يتعجل وثالثها: أن المعنى في إزالة الإثم عن المتأخر إنما هو لمن زاد على مقام الثلاث، فكأنه قيل: إن أيام منى التي ينبغي المقام بها هي ثلاث، فمن نقص عنها فتعجل في اليوم الثاني منها فلا إثم عليه، ومن زاد عليها فتأخر عن الثالث إلى الرابع فلم ينفر مع عامة الناس فلا شئ عليه ورابعها: أن هذا الكلام إنما ذكر مبالغة في بيان أن الحج سبب لزوال الذنوب وتكفير الآثام وهذا مثل أن الإنسان إذا تناول الترياق، فالطبيب يقول له: الآن إن تناولت السم فلا ضرر، وإن لم تتناول فلا ضرر، مقصوده من هذا بيان أن الترياق دواء كامل في دفع المضار، لا بيان أن تناول السم وعدم تناوله يجريان مجرى وحد، فكذا ههنا المقصود من هذا الكلام بيان المبالغة في كون الحج مكفرا لكل الذنوب، لا بيان أن التعجل وتركه سيان، ومما يدل على كونه الحج سببا قويا في تكفير الذنوب قوله عليه الصلاة والسلام: " من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " وخامسها: أن كثيرا من العلماء قالوا: الجوار مكروه، لأنه إذا جاور الحرم والبيت سقط وقعه عن عينه، وإذا كان غائبا إزداد شوقه إليه، وإذا كان كذلك احتمل أن يخطر ببال أحدنا على هذا المعنى أن من تعجل في يومين فحاله أفضل ممن لم يتعجل، وأيضا من تعجل في يومين فقد انصرف إلى مكة لطواف الزيارة وترك المقام بمنى، ومن لم يتعجل فقد اختار المقام بمنى وترك الاستعجال في الطواف فهذا السبب يبقى في الخاطر تردد في أن المتعجل أفضل أم المتأخر؟ فبين الله تعالى أنه لا إثم ولا حرج في واحد منهما وسادسها: قال الواحدي رحمه الله تعالى: إنما قال: * (ومن تأخر فلا إثم عليه) * لتكون اللفظة الأولى موافقة للثانية، كقوله: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40) وقوله: * (فمن اعتدى علكيم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194) ونحن نعلم أن جزاء السيئة والعدوان ليس بسيئة ولا بعدوان، فإذا حمل على موافقة اللفظ م لا يصح في المعنى، فلأن يحمل على موافقة اللفظ ما يصح في المعنى أولى، لأن المبرور المأجور يصح في المعنى نفي الإثم عنه.
السؤال الثالث: هل في الآية دلالة على وجوب الإقامة بمنى بعد الإفاضة من المزدلفة؟.
الجواب: نعم، كما كان في قوله: * (فإذا أفضتم من عرفات) * (البقرة: 198) دليل على وقوفهم بها.