مناسك الحج أجزأ عنها الدم، فلهذا السبب سمي بالحج الأكبر قال الحسن: سمي به لأنه اجتمع فيه الكفار والمسلمون، ونودي فيه أن لا يحج بعده مشرك، وقال ابن سيرين: إنما سمي به لأنه اجتمع فيه أعياد أهل الملل كلها من اليهود والنصارى وحج المسلمون ولم يجتمع قبله ولا بعده، ومنهم من قال: إنه يوم النحر لأنه يقع فيه أكثر مناسك الحج، فأما الوقوف فلا يجب في اليوم بل يجزئ في الليل وروى القولان جميعا عن علي وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثانيها: الشفع وثالثها: الوتر ورابعها: الشاهد وخامسها: المشهود في قوله: * (وشاهد ومشهود) * (البروج: 3) وهذه الأسماء فسرناها في هذه الآية.
واعلم أنه تعالى خص يوم عرفة من بين سائر أيام الحج بفضائل، منها أنه تعالى خص صومه بكثرة الثواب قال عليه الصلاة والسلام: " صوم يوم التروية كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين " وعن أنس كان يقال في أيام العشر: كل يوم بألف ويوم عرفة بعشرة آلاف بل يستحب للحاج الواقف بعرفات أن يفطر حتى يكون وقت الدعاء قوي القلب حاضر النفس.
المسألة الرابعة: اعلم أنه لا بد وأن نشير إشارة حقيقية إلى ترتيب أعمال الحج حتى يسهل الوقوف على معنى الآية، فمن دخل مكة محرما في ذي الحجة أو قبله، فإن كان مفردا أو قارنا طاف طواف القدوم، وأقام على إحرامه حتى يخرج إلى عرفات، وإن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته وأقام إلى وقت خروجه إلى عرفات، وحينئذ يحرم من جوف مكة بالحج ويخرج وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، والسنة للإمام أن يخطب بمكة يوم السابع من ذي الحجة، بعدما يصلي الظهر خطبة واحدة يأمر الناس فبها بالذهاب غدا بعدما يصلون الصبح إلى منى ويعلمهم تلك الأعمال، ثم إن القوم يذهبون يوم التروية إلى منى بحيث يوافون الظهر بها، ويصلون بها مع الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح من يوم عرفة، ثم إذا طلعت الشمس على ثبير يتوجهون إلى عرفات، فإذا دنوا منها فالسنة أن لا يدخلوها، بل يضرب فيه الإمام بنمرة وهي قريبة من عرفة، فينزلون هناك حتى تزول الشمس، فيخطب الإمام خطبتين يبين لهم مناسك الحج ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف، إذا فرغ من الخطبة الأولى جلس، ثم قام وافتتح الخطبة الثانية والمؤذنون يأخذون في الأذان معه ويخفف بحيث يكون فراغه منها مع فراغ المؤذنين من الأذان، ثم ينزل فيقيم المؤذنون فيصلي بهم الظهر، ثم يقيمون في الحال ويصلي بهم العصر، وهذا الجمع متفق عليه، ثم بعد الفرغ من الصلاة يتوجهون إلى عرفات فيقفون عند الصخرات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك، وإذا وقفوا استقبلوا القبلة يذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس.
واعلم أن الوقوف ركن لا يدرك الحج إلا به فمن فاته الوقوف في وقته وموضوعه فقد فاته الحج ووقت الوقوف يدخل بزوال الشمس من يوم عرفة، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر وذلك نصف يوم وليلة كاملة، وإذا حضر الحاج هناك في هذا الوقت لحظة واحدة من ليل أو