وأبي وأبيكم وجدي وجدكم، فقال تعالى: عظموا الله كتعظيمكم آبائكم وخامسها: قال بعض المذكورين: المعنى اذكروا الله بالوحدانية كذكركم آبائكم بالوحدانية فإن الواحد منهم لو نسب إلى والدين لتأذى واستنكف منه ثم كان يثبت لنفسه آلهة فقيل لهم: اذكروا الله بالوحدانية كذكركم آبائكم بالوحدانية، بل المبالغة في التوحيد ههنا أولى من هناك، وهذا هو المراد بقوله: * (أو أشد ذكرا) * وسادسها: أن الطفل كما يرجع إلى أبيه في طلب جميع المهمات ويكون ذاكرا له بالتعظيم، فكونوا أنتم في ذكر الله كذلك وسابعها: يحتمل أنهم كانوا يذكرون آباءهم ليتوسلوا بذكره إلى إجابة الدعاء عند الله فعرفهم الله تعالى أن آباءهم ليسوا في هذه الدرجة إذ أفعالهم الحسنة صارت غير معتبرة بسبب شركهم وأمروا أن يجعلوا بدل ذلك تعديد آلاء الله ونعمائه وتكثير الثناء عليه ليكون ذلك وسيلة إلى تواتر النعم في الزمان المستقبل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يحلفوا بآبائهم فقال: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " إذا كان ما سوى الله فإنما هو لله وبالله فالأولى تعظيم الله تعالى ولا إله غيره وثامنها: روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية: هو أن تغضب لله إذا عصى أشد من غضبك لوالدك إذا ذكر بسوء.
واعلم أن هذه الوجوه وإن كانت محتملة إلا أن الوجه الأول هو المتعين وجميع الوجوه مشتركة في شئ واحد، وهو أنه يجب على العبد أن يكون دائم الذكر لربه دائم التعظيم له دائم الرجوع إليه في طلب مهماته دائم الانقطاع عمن سواه، اللهم اجعلنا بهذه الصفة يا أكرم الأكرمين.
أما قوله تعالى: * (أو أشد ذكرا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: عامل الإعراب في * (أشد) * قيل: الكاف، فيكون موضعه جرا وقيل: * (اذكروا) * فيكون موضعه نصبا، والتقدير: اذكروا الله مثل ذكركم آباءكم، واذكروه * (أشد ذكرا) * من آبائكم.
المسألة الثانية: قوله: * (أو أشد ذكرا) * معناه: بل أشد ذكرا، وذلك لأن مفاخر آبائهم كانت قليلة، أما صفات الكمال لله عز وجل فهي غير متناهية، فيجب أن يكون اشتغالهم بذكر صفات الكمال في حق الله تعالى أشد من اشتغالهم بذكر مفاخر آبائهم، قال القفال رحمه الله: ومجاز اللغة في مثل هذا معروف، يقول الرجل لغيره: افعل هذا إلى شهر أو أسرع منه، لا يريد به التشكيك، إنما يريد به النقل عن الأول إلى ما هو أقرب منه.