" أما بعد أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية وتفككها، يا أيها الناس إنما الناس رجلان بر تقي كريم على الله أو فاجر شقي هين على الله ثم تلا * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * (الحجرات: 13) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " وعن السدي أن العرب بمنى بعد فراغهم من الحج كان أحدهم يقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة، عظيم القدر، كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المسألة الثانية: اعلم أن القضاء إذا علق بفعل النفس، فالمراد به الإتمام والفراغ، وإذا علق على فعل الغير فالمراد به الالزام، نظير الأول قوله تعالى: * (فقضاهن سبع سماوات في يومين، فإذا قضيت الصلاة) * وقال عليه الصلاة والسلام: " وما فاتكم فاقضوا " ويقال في الحاكم عند فصل الخصومة قضي بينهما، ونظير الثاني قوله تعالى: * (وقضى ربك) * (الإسراء: 23) وإذا استعمل في الإعلام، فالمراد أيضا ذلك كقوله: * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) * (الإسراء: 4) يعني أعلمناهم.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) * لا يحتمل إلا الفراغ من جميعه خصوصا وذكر كثير منه قد تقدم من قبل، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد: اذكروا الله عند المناسك ويكون المراد من هذا الذكر ما أمروا به من الدعاء بعرفات والمشعر الحرام والطواف والسعي ويكون قوله: * (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) * كقول القائل إذا حججت فطف وقف بعرفة ولا يعني به الفراغ من الحج بل الدخول فيه، وهذا القول ضعيف لأنا بينا أن قوله: * (فإذا قضيتم مناسككم) * مشعر بالفراغ والاتمام من الكل، وهذا مفارق لقول القائل: إذا حججت فقف بعرفات، لأن مراده هناك الدخول في الحج لا الفراغ، وأما هذه الآية فلا يجوز أن يكون المراد منها إلا الفراغ من الحج.
المسألة الثالثة: " المناسك " جمع منسك الذي هو المصدر بمنزلة النسك، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج، وإن جعلنها جمع منسك الذي هو موضع العبادة، كان التقدير: فإذا قضيتم أعمال مناسككم، فيكون من باب حذف المضاف.
إذا عرفت هذا فنقول: قال بعض المفسرين: المراد من المناسك ههنا ما أمر الله تعالى به الناس في الحج من العبادات، وعن مجاهد أن قضاء المناسك هو إراقة الدماء.
المسألة الرابعة: الفاء في قوله: * (فاذكروا الله) * يدلى على أن الفراغ من المناسك يوجب هذا الذكر، فلهذا اختلفوا في أن هذا الذكر أي ذكر هو؟ فمنهم من حمله على الذكر على الذبيحة، ومنهم من حمله على الذكر الذي هو التكبيرات بعد الصلاة في يوم النحر وأيام التشويق، على حسب