وجه فالخير المحض هو النوع الملكي والشرير المحض هو النوع الشيطاني والمتوسط بين الأمرين هو النوع البشري وأيضا فإن الإنسان هو الناطق المائت وعلى جانبيه قسمان آخران: أحدهما: الناطق الذي لا يكون مائتا وهو الملك: والآخر المائت الذي لا يكون ناطقا وهم البهائم فقسمة العقل على هذا الوجه قد دلت على كون البشر في الدرجة المتوسطة من الكمال والملك يكون في الطرف الأقصى من الكمال فالقول بأن البشر أفضل قلب للقسمة العقلية ومنازعة في ترتيب الوجود. الاعتراض: أن المراد من الفضل هو كثرة الثواب فلم قلتم إن الملك أكثر ثوابا فهذا محصل ما قيل في هذا الباب من الوجوه العقلية وبالله التوفيق. واحتج من قال بفضل الأنبياء على الملائكة بأمور: أحدهما: أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم وثبت أن آدم لم يكن كالقبلة بل كانت السجدة في الحقيقة له، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون آدم أفضل منهم لأن السجود نهاية التواضع وتكليف الأشرف بنهاية التواضع للأدون مستقبح في العقول فإنه يقبح أن يؤمر أبو حنيفة بأن يخدم أقل الناس بضاعة في الفقه فدل هذا على أن آدم عليه السلام كان أفضل من الملائكة. وثانيها: أن الله تعالى جعل آدم عليه السلام خليفة له والمراد منه خلافة الولاية لقوله تعالى: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * (ص: 26) ومعلوم أن أعلى الناس منصبا عند الملك من كان قائما مقامه في الولاية والتصرف، وكان خليفة له فهذا يدل على أن آدم عليه السلام كان أشرف الخلائق وهذا متأكد بقوله: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * (الجاثية: 12) ثم أكد هذا التعميم بقوله: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (البقرة: 29) فبلغ آدم في منصب الخلافة إلى أعلى الدرجات فالدنيا خلقت متعة لبقائه والآخرة مملكة لجزائه وصارت الشياطين ملعونين بسبب التكبر عليه والجن رعيته والملائكة في طاعته وسجوده والتواضع له ثم صار بعضهم حافظين له ولذريته وبعضهم منزلين لرزقه وبعضهم مستغفرين لزلاته ثم إنه سبحانه وتعالى يقول مع هذه المناصب العالية: * (ولدينا مزيد) * فإذن لا غاية لهذا الكمال والجلال. وثالثها: أن آدم عليه السلام كان أعلم والعلم أفضل، أم إنه أعلم فلأنه تعالى لما طلب منهم علم الأسماء: * (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) * (البقرة: 32) فعند ذلك قال الله تعالى: * (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم) * وذلك يدل على أنه عليه السلام كان عالما بما لم يكونوا عالمين به وأما أن الأعلم أفضل فلقوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * ورابعها: قوله تعالى: * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * والعالم عبارة عن كل ما سوى الله تعالى وذلك لأن اشتقاق العالم على ما تقدم من العلم فكل ما كان علما على الله ودالا عليه فهو عالم ولا شك أن كل محدث فهو دليل على الله تعالى فكل محدث فهو عالم فقوله: * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * منعاه أن الله تعالى اصطفاهم على كل المخلوقات ولا شك أن الملائكة من المخلوقات
(٢٣٢)