إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا: أين المفر بفتح الفاء، وكذلك المدب من دب يدب، كما قال بعضهم:
كأن بقايا الأثر فوق متونه * مدب الدبى فوق النقا وهو سارح وقد ينشد بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين. وزعم الفراء أنهما لغتان، وأنه سمع: جاء على مدب السيل، ومدب السيل، وما في قميصه مصح ومصح. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مفعل إذا كان الفعل على يفعل، وإنما يجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفر إليه، وكذلك المضرب: المكان الذي يضرب فيه إذا كسرت الراء. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء، ويقول: إنما المفر: مفر الدابة حيث تفر.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المفر، لاجماع الحجة من القراء عليها، وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار، وهو في هذا الموضع الفرار.
وتأويل الكلام: يقول الانسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفر من هول هذا الذي قد نزل، ولا فرار.
يقول تعالى ذكره: كلا لا وزر يقول جل ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لأنه لا ينجيه فراره، ولا شئ يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل، من أمر الله الذي قد حضر، وهو الوزر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27563 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كلا لا وزر يقول: لا حرز.
* - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله كلا لا وزر يعني: لا حصن، ولا ملجأ.